خطوات متباينة على نفس الطريق

محمد عميرة – القدس

[email protected]

 ما قبل الأمس وحينما كنت ولدا ً كانت طرقات حارتنا ترابية بيضاءَ ...يـُـزيّنُ أطرافها طوقٌ من الأعشاب الخضراء . كنت وأترابي نحفرُ في تلك الطرقات حفرا ً صغيرة لنلعب (الﭼلول) ... تلك الأيام بما حوت من أحداث مريرة كانت جميلة بيضاء ، ولم نَـكُ نعبأ بحرارة الشّمس الآتية من صفاء زُرْقة السّماء .

 وبالأمس صَقَلَتِ الحضارةُ تلك الطرقات ، وطَمَرت بقايا ذكريات ألعابنا وأحلامنا ... فأصبحت الطُرقات سوداءَ معبّدة تمرّ السّيارات من فوقها لتلبّدها كأنما خوفا من عودة ذاك الماضي الجميل .

 واليوم أسير فوق نفس الطرقات أدوس على تلك الذكريات غير مكثرثٍ بلهو ما قبل الأمس بقدر ما أنا غير مكثرثٍ بالسيارات التي تمرّ بجانبي حين استعادتي لتلك الذكريات .

 وحينما لا يكون هناك فرقٌ بين ذكرى أليمةٍ وجميلةٍ تكون الأيام قد صقلت الإنسان كما صقلتْ تلك الطرق ...

خاصة حين يرافقُ الألمُ الإنسانَ كأمه وينمو معه فإنه يعتاده ... ثم إذا تجاوز آلام الحياة ولم يلتفت إليها غير عابىء بها ... حينئذ يكون هذا الإنسان قد أصبح رجلا ...

والآن وبعدما تقدّم أصبحت أسير فوق نفس الطرقات لكن كأنما أسير على ضبابٍ وأمامي وحولي ضباب رأيت من خلاله نافذة تفتحها رياح الخير أحيانا ليلا فأرى من خلالها قمرا يقود نجوما ، وتفتحها تلك الرياح نهارا للحظات فأرى من خلالها شمسا تقود أحرارا ... وكلاهما نحو المعالي يرتقي ... رأيت ذلك ... ثم تابعت مشيتي ...