بساط الريح بين الواقع والخيال
محمد عميرة – القدس
لم استطع النّوم في أحد أيام شتاء شوال الصافية الدفيئة على الرغم من طول الليل في هذا الوقت ؛ ففي المثل الشعبي يقال( أيام الزّيت إن أصبحت أمسيت ) .
نفضت الفراش عني ...كان القمر منيرا بأيامه البيض ... قمت أتمشى في ليل الظلم والظَلمة في سكن الليل مطرقا في طرقاته لآنس بوحدتي ؛ فقد قرأت مرة أن بعض الطيور تسبّح الله وتقول : في البعد عن الناس أنس... سبّحت الله العظيم ، وحمدته على عظيم خلقه الدّال عليه ، وسرت في صمت هذا الليل حيث نسج لي خيالي من أنامل الآمي وآمالي بساطا أخضرَ ... ركبته وعلا بي فوق الأرض ، وحاذيت الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية ... رأيت الليل في الفضاء الخارجيّ يحل بصورة مفاجئة وبسرعة تقطـّع الأنفاس ، وتغشى العيون، وليس بصورة تدريجية كما هي الحال في الأرض ... كانت الشمس تظهر فجأة ، وتلمع كأنها ضوء صاعقة مبدّدة في خلال ثوان في هذا الليل الحالك ؛ إذ لا وجود في الفضاء الخارجي لشروق أو غروب تدريجيّ للشمس بل في خلال ثوان ... وهذا ما قاله أحد رواد السّفينة الفضائية كولومبيا العالم الفيزيائي جوزف الن عام 1983.
ازداد إيماني ممّا رأى الرائد السوفييتي الهويّة الشيوعيّ العقيدة غاغارين عام 1962عندما أصبح في مداره حول الأرض ، ونظر من بساط ريحه فرأى بديع خلق السموات والأرض فقال : ( ماذا أرى؟ هل أنا في حلم أم أن عينيّ قد سُحـِرَتا ؟وتذكـّرت قوله تعالى (( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون . لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون )) ... ثم سار بي البساط حيث ؛ لا ندري في الفضاء تحديد الاتجاهات فلا يمين ولا يسار ولا شرق ولا غرب . رأيت مركبة فضائية عائدة الى الأرض وقد تغشاها النحاس فطلاها وذلك لتراكمه عليها وهي في الفضاء الخارجي بسبب السرعة والحرارة ... فكلما بقيت أكثر وعلت ازداد النحاس عليها حتى تحترق وهذا من الاكتشافات العلمية الحديثة التي قال بها القرآن الكريم . قال تعالى ): يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) .
تأملت هذه السماء الواسعة العظيمة والكواكب المعلقة فيها كيف تسْبحُ في هدوء ونظام وكيف تبدو كالأطباق وكيف أن الانسان وصل القمر او طبق القمر... والمريخ ... فقد ظل الانسان يحلم بالطيران منذ القدم والانتقال من طبق الأرض الى أطباق السموات الى أن تحقق حلمه هذا منذ القرن الثامن عشر ... قال الصحابي الجليل ابن مسعود : لتركبن طبقا عنَ طبق : لتركبن السماء حالا بعد حال ... وقال الزجاج : لتركبن طبقا عن طبق من أطباق السماء ...
لم أمكث طويلا في الفضاء الخارجيّ ، فقد كان بساطي الخيالي أسرع من بساطهم الواقعي ... بحثت عن الأرض حتى وجدتها بصعوبة. وأثناء عودتي لها رأيت أحد الأقمار الصّناعيّة مكتوب عليه "مكافحة الإرهاب" فأبعدت بساطي عنه بسرعة وقلت للبساط : لعلّ ذلك بسبب 11- سبتمبر ، ولنشر الديمقراطية في الفضاء بعد أن نشروها في الأرض ... سألني البساط بعد أن أصبحنا في مأمن : هل تريد أن أعود بك الى الماضي مثل آلة الزمن الخيالية أو منسأة سليمان عليه السلام حسب التفسير الاجتهادي لأبي عرفة أم تريد أن أعبر بك إلى المستقبل ؟ فقلت له: إن ذلك لن يغيـّر من الواقع شيئا حتى لو عدت بي الى الماضي فستفتح جروحي غير المندملة على أيام البركة التي كانت فرفعت ، وعلى أيام المحبة التي كانت بين الناس فذهبت ، وعلى أيام الحضارة والرّيادة التي كانت فمسحت ، وعلى أيام الطيبة والصدق والأمانة والوفاء والنخوة والكرم والشهامة ففقدت وسحقت ... وإذا أردت أن تعبر بي إلى المستقبل فقد عبره نبينا محمد صلىالله عليه وسلم بلا زمن وأخبرنا بما رأى ...
إن الماضي والحاضر والمستقبل كلّه عند الله القادر على كل شيء ؛ فهو خالق الزّمن ، ومحيط علمه بكل شيء ... فسبحان من لا ينبغي التسبيح إلا لــــــه .
انزل بي- يا بساط الريح- لنرى مجريات أحداث الأيام وعجائبها في كلّ مكان على الأرض ...انزل بي قرب قلب الحدث ... قرب القبة الصـّفراء ؛ لننتظر اليوم الذي طال وطال ... اليوم الذي تملأ الأرض فيه عدلا كما ملأت ظلما .