رسائل إلى شهريار
زهر البيلسان/ فلسطين
"٢"
بلغني أيها الملك السعيد أنّ الحضور الدائم يجعل الأمر عادة، وأنا اخترت الابتعاد ليس هربا منك وإنما اقتراب أكثر إليك، فأحيانا يكون القربُ الدائم سببا في الدخول في روتين مقيت والابتعاد في تقريب الاقتراب. وأختفي ليس مللا ولكنْ تجددا وإعادة للحياة .
دع جنونك يتعقل ودعني أرتب أوراق حكاياتي كما يحلو لي فالقفز فوق الأحداث يحرقها، ولا تتعجل النهايات يا شهريار فتفقد لذة الاستمتاع بما لديك. اختبر ذاتي وذات كل من مثلي قد تبعثرت مشاعرها بين البعد والوجد وأراوح في ذلك الحال بين التعقل والجنون، بين أن أترك النفس تنقاد وراء ذالك الخيال الذي أعادني إلى شهرزاد الأولى التي قلبت موازين شهريار وقناعاته وبيني أنا التي تعيش عصراً قد تغيرت مفاهيمه وقيمه. كيف لي أن أوازن بين الشخصيتين في أعماقي وكيف لك أن تتقبل شهرزاد الحاضرة والمتحضرة في آن.
حكاياتي يا سيدي تحمل كثيرا من شجن، نتخبط فيه فلا نستطيع أن نعيش بمعزل عن ما يدور حولنا، تمنيت أن أطير على بساط الريح لأجد مكانا في هذا العالم ليس به مأساة أو قضية فلا أكدر خاطرك ولا أشغل بالك، ولكني أعرف أنك لا تريد أن تكون بعيدا عن آلام المسحوقين المتعبين كما يفعل حكام هذا الزمان.
اعذرني إن كان غيابي قد أحزنك وأفزعك، لكن ثق أنك معي بروحك، أحرسك وأرعاك ولا أجرحك.
رسائل إلى شهريار "٣"
ونراوح بالمكان يا شهريار ..!!
وتغتالنا لحظات الانتظار على قارعة الزمن المصلوب لا تغير الزمانُ ولا نحن تغيرنا، وكأنه توقف عند لحظة تسمرت عند بابي وبابك، خرج كل منا عن صمته ومشينا كل في طريقه للآخر، قدماه تسبقه وأنفاسه تختنق في حنجرة تغصّ بالشوق للقاء مستحيلٍ، تحدينا كل الممنوع وتخطيناه بخيال مجنون، وخطونا خطواتنا الأولى جازمين على لقاء.
وعندما توغلنا في غابات المجهول الذي ينتظرنا تهنا عن المسار، ولا نملك سوى بوصلة إحساسنا تقودنا كل نحو الآخر كما قادت أبانا آدم لأمنا حواء، كانت مغامرةً غير محسوبة نتائجها ولا محسومة نهايتها أننا كمن يرقص على حبل في سيرك الحياة ولسنا مدربين عليه، تتأرجح مشاعرنا ذات اليمين وذات الشمال ولا توازن إلا لجسد متعب من الأماني الهاربة.
حلمت وما زلت أحلم أن نلتقي ذات يوم وسرتُ نحوك ومشيتَ نحوي وفي منتصف الطريق، لمحتك من بعيد تتجه صوبي، أسرعت الخطى وسابقت ظلي، وعندما اقتربت وكدت أن أصل، اكتشفت أننا لسنا على ذات الطريق!
كانا متوازيين يا شهريار كسكتي قطار لا يلتقيان، لم ألمس يديك الممدودتين إليّ ولم أستطيع الإمساك بهما، مشى قطار العمر بنا كل عكس الآخر وأخاف أنْ لا سكة للرجوع.
أخاف يا شهريار الأماني
والأحلام المستحيلة
يا فرح العمر
وذكريات الطفولة
حلمت بك
في صغري
وأنت على مشارف الرجولة
يمضي العمر يا شهريار
ونمضي معه ولا نعي أنه يسرقنا
ولا يلقي حمولته
لا تنتظر حلما يا شهريار
قد يأتيك وأنت
تسابقُ الكهولة
عش اليوم يا سيدي ودع عنك
أحلاما قتيلة
فما الغد سوى قاتل لليوم
ينتظر مع غروب الشمس
لحظة أفوله
لا تفكر بما سيجري
قلتها مرارا
وليس لدي الآن ما أقوله.