الغربة جميلة.. ولكن..!!!

سليمان عبد الله حمد

[email protected]

" الغربة جميلة "  في البداية كانت تخيفني الغربة، لكني اكتشفت أنّها شرط إبداعي يحتاج إليه كل إنسان مثلما يحتاج الحب والرؤيا.. يحتاج البعد عن الأوطان.. يحتاج إلى مسافة كي يتأملها جيّداً، فالغربة مثل قفص الزوجية، من بالخارج يحلم بالدخول، ومن بالداخل يحلم بالخروج.. ولا أحد يستطيع أن يقنع الآخر بأنّه على صواب.. لكنّها – أي الغربة – جميلة، وليس من تناقض على أية حال..! التمزُّق الدائم بين الحاجة إلى الوطن والاحتياج إلى الغربة هو قدر المغتربين في الأرض.

 التنازع الدائم بين متاح الوطن وممكن الغربة، هو ذلك (الوجع(  المقيم الذي يطلق عليه علماء النفس في حذلقة (اضطراب الحنين إلى الوطن) ..  فإنك ترى الغربة جميلة..! (الفرح خارج الوطن عابر وسياحي.. فقاعي وبلا جذور.. وقلب الإنسان ليس جمهورية فردية مستقلة.. لكنّه قطعة من أرض بلاده).. هكذا وصفت \"غادة السمان\" الغُربة.. حيث يتحوّل الحدث الجلل إلى \"خواء\" و\"عدم\" وذاكرة فارغة لأجساد تسير بنصف انتباه، وتعيش بنصف إذعان.. ونصف رضوخ.. وبعض تمرّد ..! (كانت بدايتي قاسية ‏جداً في لندن، لأنني تركت الأهل والأحباب والدور الفسيحة والتواصل الاجتماعي، لأجد نفسي داخل غرفة صغيرة برودتها لا تطاق، في بلد غريب، بين قوم غرباء.. تحت وطأة الحنين إلى بلدي وأهلي وعشيرتي، كتبت قصة \"نخلة على الجدول..

هكذا تحدّث الطيّب صالح عن الغربة كمنعطف، وبداية طريق..! وبين حصار البنايات الأسمنتية الشاهقة، وكثافة الضباب في لندن تفجَّر الكامن الإبداعي، وتمخَّضت الغربة فولدت أديباً كبيراً..! عندما توفي الطيّب صالح نعته بعض الصحف والقنوات العربية بالعنوان العريض التالي.. (الطيّب صالح بين مقبرتين.. وطن يرفع الضغط، وغربة ترفع الرأس) ..! كلما شددت الرحال تذكرت هذا المانشيت الذي يستدر الحزن.. كلما كنت على سفر تأملت في ملامح الخرطوم.. ثوب غبارها العابس.. حذاؤها البالي.. فبدت لي عزيزة، ظالمة الحسن، مظلومة الجمال مثل السندريللا..! عن بعض العزاء.. عن حسنات الغربة مثلاً..

ربّما لذلك بحثت في منجزات هؤلاء الأدباء التي نضجت في أتون الغربة .. ليس من عزاء – حين مفارقة الأوطان – خير من قول الإمام علي بن أبي طالب: خيرُ البلاد هو ما حمَلك (بفتح الميم) لا ما حمَّلك (بتشديدها).. تشديدها وتضييق الخناق عليك..!

كلمات ومقالات وكتابات من أدباء وشعراء وصحفيين عن هم الغربة ومعاناتها ودفع الثمن وراء غبار  السراب الذي لا يطال !!!