فـي خُطَـى المسـيح!
محمد عبد الشافي القوصي
يا سيدي .. يا سيد المُسحاء!
يا بركة آل يعقوب .. ويا ريحانة آل داود .. ويا مفخرة آل عمران!
السلام عليك يا رسول السلام!
رحمة الله وبركاته عليكَ يا روح الله!
يا سيدي .. يا سيد الأشراف؛ كلما حاولتُ الكتابة عنك قيدتني ذنوبي، وأثقلتني أوزاري، وباعدتْ بيني وبينك جرائري!
من أين أبدأ الحديث يا سيدي؟ وماذا أقول عنك يا قرة عيني؟!
فلمْ يُبقِِ (الكتاب العزيز) شيئاً أقوله! ولمْ يترك (الصادق الأمين) وصفاً أضيفه!
أعِرني بياناً يا حبيبي؛ وامنحني نوراً من قدسيتك، وألهمني فيضاً من روحك الطاهرة!
الحق أقـول: لمْ يفتأ الشوق إليك يعاودني! والحنين إليك يجذبني! والسير على خطاك يلهمني! والاهتداء بنورك يقودني! والأمل في لقياك يحدوني!
لكن؛ من ذا الذي يبلغ مجدك؟ ومن ذا الذي يشبهك شجاعةً؟ أوْ يجاريك فصاحةً؟ ومن ذا الذي يفري فريّك- يا ابن داود؟!
فمازالت الورود والرياحين تستنشِق أريج أنفاسك! ومازالت الملائك تترنم بإنجيلك! ولازالت الشعراء تستلهم أفكارك!
فما أحلمك عندما قلت: لا تقاوموا الشر! بلْ من لطمك على خدِّكَ الأيمن؛ فحوِّل له الآخر. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك؛ فاترك له الرداء كله! ومن سخَّركَ مِيلاً واحداً؛ فاذهب معه اثنين! ومن سألك فأعطهِ، ومن أراد أن يقترِض منك فلا تردَّه!
وما أرحمك عندما قلت: أحبُّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم؛ لكيْ تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فإنه يشرِق شمسه على الأشرار والصالحين. ويُمطِر على الأبرار والظالمين!
وما أعظم قولك: طوبى لصانعي السلام؛ فإنهم يُدعَون أبناء الله!
وما أوضح قولك: "أنا إنسان قد كلّمكم بالحق الذي سمعه من الله. ولستُ أقدر أنْ أفعل من ذاتي شيئاً، لأنّي لستُ أُنفِّذ إرادتي، بلْ إرادة الذي بعثني".
ويا لرقَّة عتابك: "من كان منكم بلا خطيئة؛ فليرمِها بحجر"!
فمن ذا الذي يفهم قولك: إنه لمْ يكرم أحد من الأنبياء في وطنه!
ومن ذا الذي يدرك مراد خطابك: ما جئتُ لأضعُ سلاماً .. بلْ سيفاً !
* * *
لكَ الله -يا مسيح الربّ- في كل حركاتك وسكناتك!
لكَ الله – يا قدوس الله- في جميع كلماتك وسائر أفعالك!
آهـ .. يا ابن داود! ليتني كنتُ ظهيراً لك يوم تألَّبَ عليك الفريسون الكتبة، والخراف الضالة، ونسل فاعلي الشر!
آهـ .. يا ابن داود! ليتني كنتُ من سكان القدس؛ فآويك، وآمِنكَ من جند الرومان!
آهـ .. يا سيدي المسيح! ليتني كنتُ هناك في شوارع فلسطين .. حيث كنتَ تعلِّم!
آهـ .. يا سيدي المسيح! ليتني كنتُ بين تلامذتك وحوارييك في قرى الجليل!
فمازال صوتك القويّ يعلن الحق، ويزلزل الباطل!
ومازال صوتك الدافئ يحمل الرجاء للمساكين والحزانى والمطرودين والمنسحقي القلوب!
يا نبيّ الله؛ لقد أخبرنا (المسيّا الرئيس) أنك ستخلفه في أمته .. وستملأ الأرض عدلاً وسلاماً، كما مُلئتْ ظلماً وجورا ... فعجِّل بالله عليك!
كأنني أنظر إليك؛ وأنت تشير بالسبابَّة، قائلاً: لكيْ يعلموا أنك أنتَ الإله الواحد الحق، وأنَّ يسوع رسولك الذي أرسلت!
كأنني أنظر إليك، ووجهك الشريف يشع ضياءً على جبل الزيتون؛ فيما كنتَ تلقي مواعظك الجميلة، وأنتَ تودِّع الدنيا، على أمل الرجوع مرةً أخرى! وتقول: (لقد جاء الأنبياء كلهم إلاَّ رسول الله؛ الذي سيأتي بعدي؛ لأنّ الله يريد بذلك حتى أُهيّئ طريقه .. إني سائل أبي أن يرسل إليكم فارقليطاً آخر يكون معكم إلى الأبد .. إنَّ الفارقليط لنْ يجيئكم ما لمْ أذهب، فإذا جاء وبّخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئاً، بلْ كل ما يسمع يتكلم به. ومتى جاء ذاك روح الحق، فسيسوسكم بالحق كله، ويرشدكم إلى جميع الحق، ويخبركم بالحوادث والغيوب، ويجيئكم بالتأويل، ويخلّصكم من يد الشيطان، وتستمر شريعته وسلطانه إلى آخر الدهر .. فمن كان له أُذنان فليسمع)!
فسلام عليك من ناصحٍ أمين، ونبيٍّ كريم!
* * *
أخيراً؛ اسمح لي يا سيد المسحاء؛ أنْ أضع خدي تحت قدمك الشريف، وأبكي حتى تغرق الأرض بالدموع، وينبت العشب، فيعلو ويعلو، حتى يظلل رأسك الشريف!