ستَصنَعين لَوْنَ قَهْوِتِيْ
فراس حج محمد /فلسطين
ما زلت منتظرا قدومك على أجنحة الفجر الذي يحملك إليّ أجمل من الأرض، وأندى من زهر الليمون، وأبهى من القمر المضنى عشقا وولها، وأشهى من سنا النور المتسلل بنعومة ملمسك الحريريّ مداعبا مقلتيك الناعستين، يحملك إليّ الحضور أرق وأرهف من نسمة صباحية تناجي زهور الأقحوان العابقة في رحاب الله.
ما زلت منتظرا أن تأتيني بفنجان من القهوة المرة، تعدينها على مرأى من الخيال، لتسكبيها في النفس مع نغمة فيروزية تعزف لحن الحب واللقاء الأول والأبدي، فتغرد الحساسين بهجة، وترقص فرحا لمرآك أجمل امرأة في الكون صبا ودلالا وسحرا وأنوثة.
لن يطول غيابنا وفرقتنا يا غاليتي وفاتنتي، يا روعة بدت وأنت ترتدين الأسود، فيعطيك من حيائه حياء آخر شفافا وأثيريا، ومن طقوسه طقسا أنثويا خلابا، يغمر القلب بفيض من الأحاسيس التي لا تغيب عن القلب والعين، إنه الأسود الذي يليق بك، معنى جماليا مبدعا وخاصا، ألم يقولوا: وبضدها تتميز الأشياء!!
سأظل أناضل ما دمت حيا كي تكوني لي السحر الحلال والشهد المذاب على أردية الليل، فلن أستسلم لمكر حواء ودهاء الأنثى فيك، وأنت تمارسين طقوس القهوة المرة، تبتعدين بمقدار عبقين لزهرة فل، لتقتربي بمقدار دفقة حب مجنونة، ستظلين في خاطر العشق أغنية سابحة في معارج العارفين ومقصدهم، لأنك أيقونة الحب المقدس، ولن يكون للطهر معنى سواك، يكبر في الشوق والحنين إليك ليغدو بحجم اشتياق الروح للأرض والوطن.
تستسلم الروح لك كما تستسلم الموجة الهاربة من سجون البحر، يردها الحنين إلى البحر رغما عنها، لأنه لا حياة لها بدون سيدها، كالقهوة تماما تتشربين عبقها رشفةً رشفة، فيسري سرك بين شفاهها لتبوح لي بأسرارك التي باح بها العقل، وأنت لا تدرين، فقد غلب سحر القهوة فقلت لها ما قلت، فانتقل السر إليّ كاملا يحدث عن أسرار عشقك المجنون في ثنايا الروح.
لعلك تخشين خروجه، ولكنه يأبى إلى أن يبوح، فعهدنا نحن والقهوة متين، كاتمة لسرنا، وأمينة على أمنيات أرواحنا، لا تجعل بيننا سرا لنكتمه وندفنه في أعماقنا، فهي العادلة في حبها، تحبنا بالتساوي قدر ما يحمل كل واحد منا للآخر من حب وشوق.
فكل الطقوس في العشق كطقوس القهوة تماما، تعالي لنجري الموازنة الآتية: فلتكوني أنت القهوة والدلة وأنا الفنجان والبن، فكيف تتخلق للطقوس حياة بين القهوة، تتخلق الطقوس بيني وبينك، فالبن لن يكون إلا إذا صار مسكوبا في الفنجان شرابا منعشا، بعد أن احتوته الدلة وأنضجته نار الحب مرتين، وأنا وأنت، فقد أنضجتني نار العشق مرتين، مرة في حضورك، ومرة في غيابك، حتى صارت القهوة دليل حضورك وغيابك معا، لا شيء يعدل قهوتي المرة غير إحساسي بحضورك الأنثوي المهيب.
مرةً أخرى يحدث الفنجان عنك وعني ونلتقي على حواف أمانيه، وقد التقت الشفتان وتعانقتا في لحظة هي من العشق دليله، ومن الحب سره، ومن القهوة طقسه الجمالي المخصص لك ولي، لن يشاركنا طقوسنا هذه أحد، صنعناها على عين بصيرة، فقذفتنا في مراجل الحب بكل رقتها العنيفة، وقسوتها الرحيمة، أنا وأنت فقط من صنع العشق برائحة القهوة العربية الأصيلة، لنفيض من إحساسات قلوبنا عليها لتكون هي الأجمل وهي تحتفل بروعة لقائنا مرة واحدة وللأبد، فعهدا أننا لن نفترق، ولن ينفك نبض القلب يناجي صاحبه كالقهوة بفنجانها، والبن ونار إنضاجه التي تجعله شرابا مسكوبا شهدا على شفاه المحبين معطرا بنسائم الحب الأبدية.