كل نفس ذائقة الموت

كل نفس ذائقة الموت

فراس حج محمد /فلسطين

[email protected]

لا شيء يهز الضمير الإنساني مثل الموت، فهو الحقيقة الوحيدة التي لا يشك فيها بشر، وهو المعنى الوحيد الذي يشعر الإنسان بتفاهة الحياة، وأنها لا تستحق أن يتكالب عليها عاقل، فما هي إلا سويعات تمضي كلمح البصر، ولا يلتفت البشر إلا إذا وقعوا فريسة أنيابه الطاحنة، فهم نيام، فإذا ما ماتوا انتبهوا، فسبحان من قهر عباده بالموت.

يقول الرسول الكريم: "لولا ثلاثة لم يطأطئ آدمي رأسه لله: المرض والفقر والموت"، وهو كذلك فعلا، فالإنسان مغتر بقوته الزائفة الضعيفة، وهو يرديه ويشقيه أعجز المخلوقات وأحقرها، فتخيلوا كم قتل الفيروس من أناس جبابرة، ولو كان هناك نسبة وتناسب، فلا سبيل إلى معرفة تلك النسبة على اتساع الفجوة بين طرفيها.

هذا هو الموت فعلا، فاضح واضح، فاضح للعجز البشري، فلا أحد يستطيع مقاومته طبيب أو حكيم أو عراف، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، فتخيلوا كم يفضح الموت جهل البشر في المحافظة على أعز ما يملكون، وواضح لأنه لا يوارب ولا يستأذن أحدا، فقيرا كان أو غنيا، ولا يحابي أو يجامل، فكل الناس بمستوياتهم عنده واحد، واضح في مساواته، سيد في أفعاله على الرغم من ثقل المصيبة التي يخلفها.

ولا شك بأن الموت مصيبة، وقد وصفها القرآن بذلك، ولم يصف شيئا أو فعلا بهذا الوصف إلا الموت، على الرغم من كثرة مصائب الحياة ومتاعبها، إنه مصيبة فعلا، لأنها تعطل الإحساس وتعجز اللغة، وتحير الفكر، وتكبل الروح ببياض الكفن غير المحبب، فكأن العدم أبيض، ولا يترأى لك غير الأبيض معادلا موضوعيا للعدم، ودالا بقوة على سواد اللباس، الذي يلجأ له الناس هروبا من بياض غير أليف.

فمن مات له عزيز فليقل كما علمنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: "اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها" ولا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.