لن تستر عرينا غيمة غريبة!
لن تستر عرينا غيمة غريبة!
صالح أحمد
* أعمارنا أمنية ! صاحت طفلة نُسِيَت حائرة بين الجغرافيا والتاريخ؛ وقد ماتت الشمسُ اشتياقا لنهارٍ سوفَ ياتي... سوفَ ينزل في خيام متراصّةٍ خارج النّهاراتِ؛ يتنازَعُها الغرباء..
* تحت شجرةٍ أنكَرَني لونُها قبل أن أنكِرَه.. تنبتُ في أصل رمالٍ متحرّكةٍ لا تزورها المواسم... ولم يحفظ لها التاريخ اسما... لمحت شبح رجلٍ يعبُرُ أخيلة الحصى صارِخًا بسعادة المكتشفين: "رمالُ؛ قولي لهؤلاء الذين في منتصفهم أرى ما يجعلني أظنهم بشرًا: أثلج صدري أن أرى جاهليّتي تتجدّد فيكم: كفرًا، تبعيّةً، وعُهرا...
* لم يكن ما ارتسم على فقاعات الزّبَدِ ما ذَكّرَني بعرايا الكهوف في سحيق الأزمان... وقبل أن يولدَ التّاريخ، وقبل أن تحبَلَ الجغرافيا بالمسمّيات، وقبل أن يرى عاشق الدّمى في عُريِها حضارة...
* ماذا في فراغنا يَجعلنا نتجوّفُ كجذعٍ اجتثّت من فوق الأرض؟ نتعرّى كصخرة ملّت عبَثَ الرّيحِ في شقوقها؟ نتجمّدُ في حدود خرافاتنا كقصبةٍ عائمةٍ فوق سيل لا نملكهُ، ولا يترُكُنا؟
* لن ترضى الرّيح أن تُؤاخينا؛ ما دمنا لا نملك أن نسكُنَ إليها، ولا نرى لنا كيانا بعيدا عن غُبارها، ولا نطمئن إلى أنّها ستُبقي علينا...
* فوقَ جُثّةِ الوقت نمضي... عيوننا تصهل في ذاكرة الريح عُرِيّا... تفاحةٌ، وجنّة لم تعد لنا؛ منذُ اقتبسنا عري الآخرينَ لنسترَ عوراتنا؛ في انحناءات المسير التي لا تكفّ عن فضحنا...
* ماذا يمكنني أن أقولَ لغيمة أهدتني لونها؛ فجعلته وطنًا! ومنحته كل مواسم الأوهام المستلقية على مداخل الغربة؟
* يا ولدي! - قالت قبيلة تنبّهت ذات ارتحالٍ إلى أنّها فقدت امتدادها – هذه حكاية من ضبابٍ؛ سندسّكَ فيها! وقد أنسيناك لونك..
* على صدر أمي الكثير من الذّهب. لذا؛ تتقاذفني الرّياحُ، فتشرقُ حينًا.. وتُغرِبُ حينا... وأنا وسط جنون الجهات... أقبعُ جائعا!
* أيّتها الطّيورُ! لماذا لم تعد مناقيرك تحملُ موتًا؛ وفي كل شبرٍ ينتصبُ فينا أبرهة؟!
* يا ولَدي! لم يولد الشّجرُ رماديًّا، ولكنّ عدالة الأقوياء قضت أن تذيقه مجاعة الجغرافيا...
* كل شيءٍ يتضاءَل سوى فراغنا؛ حينَ يُصبِحُ استسلامنا للرّيحِ أقصى ما نرى، وما نملكُ، وما نعيش... وهي تتعاظمُ، ونحن نتضاءَل.. تشتدّ؛ ونحن نتراخى.. تمضي؛ ونتقهقر.. تعريّنا؛ ونحن نظن أننا نتستّر فيها...
* حمامة تصفعها الرّيح كلما هبّت ؛ وتجعلها مرتبكة الجناح... لن تحمل سلامًا؛ ولا حتى لنفسها..
* لأيّ شيءٍ يخطّط أولئك الذين كفّت السّاقية عن زيارة طواحينهم؛ حين كانت نفوسهم تحسد غيمة على جنونها؛ وهي تقودهم إلى مخدع الخديعة؟
وأي اغتصابٍ أوجَعُ من هذا يمكن ان يجربوه؛ وهم يقدّمون عذريّة السّاقية على مذبح القحط العولميّ العاري...
* يا من فتحتم أبوابكم للرّيح الغريبة، وبتُّم تتوهمون أنّها مانِحَتُكُم أكثر من غبارها...
أنا رجلٌ علّمَ الصّحراءَ كيفَ تصيرُ رحمًا للأجنّة.
أبي رجلٌ علّمَ البحر كيفَ يصيرُ سياجا للإرادة.
أمّي امرأة علّمت الوقتَ كيفَ يصيرُ خطوات انتصاري.
قَومي أناسٌ علّموا التّضاريسَ كيفَ تصيرُ مِهادًا لانتشاري.
قبضتي مدنٌ؛ أركانها على أرض العقيدة أسست، وصوتي غيمة حبلى بأسرار النّماء....
* عجبت لمن يرون المستقبل في تتبّع خطوات قاتلهم...
* عجبت لمن لا يعرف من أين جاءَ! ثم يدّعي انه يعرف إلى أين يسير!
* من يجهل خالقه، وينكر أصله، وينسى خاتمته... لن يعيش إلا تائها متخبطا...
* التبعيّة الفكرية، والعصبية الحزبية، والانطواء تحت جناح اللآخر... سبيل من فقد الانتماء إلى نفسه... ولا يجد له بصمة في مسيرة أمته..
* لا يتحرر الفرد إلا إذا انطلق من ذاته فكرا ووعيا وإيمانا... وتحرر من التّبعية بكل أشكالها: الفكرية والسّياسية والاقتصادية والحزبية... مؤسّسا بذلك للأنا المستقلة الفاعلة المؤثرة... وفي ذلك حريته... ومستقبل حياته..
* حين تحصر الخير فيما تملك، والصواب فيما ترى، والحقيقة فيما تعرف... والجمال فيما تحب... تكون قد قطعت شوطا في اتجاه العزلة عن الواقع، والشذوذ عن المنطق...
* ما يقسمه المتحذلقون إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل... أراه وحدة متكاملة اسمها حياة... إما أبنيها، أطوّرها ، أجمع ما استطعت من عناصرها ومقوّماتها، أؤلّفُ بينها، وأعيشها بما ملكت يدي... وإلا فأنا لا أنتمي إليها..
* ممارسة الغريزة في حدود ما يحفظ للطبيعة طهرها واتزانها؛ قداسة... أما الرّذيلة فهي في امتهان الحياة الغرائزية، وإخضاع الغريزة للهوى...
* قيمة وقوة العلاقة تتجلى بالتزامها، لأن العلاقة غير الملزمة؛ تظل هائمة متارجحة تفتقر إلى الرّصانة والثبات..
* لا وجود للفكرة بلا إنسان، وانتماؤك للفكرة يعني انتماؤك لصاحبها... وبذا فإن أعظم انتماء يكون لأعظم فكرة... تلك التي أبدعها المبدع الأعظم: رب الانسان، وواهبه القدرة على التّفكير.