رأي في العالم وموقفه من الأزمة السورية

ناديا مظفر سلطان

منذ أن دبت قدم الفريق الدابي في الأراضي السورية كمؤتمن "حافظ وأمين" في مهمة رسمية لمراقبة الوضع الأمني فيها، وذكرى طرفة قديمة تعاودني ، محاولة تجاهلها، خشية أن أفقد صفة - الأدب الرصين - الذي نعتني به ذات يوم أحد الأدباء .

ولكن اليوم وبعد قصف وإبادة لشعب حمص الأبي خمسة أيام متوالية ، ارتأيت أن الأوان قد آن كي "ألفظ الحصاة".

والطرفة تحكي عن اثنين من الفلاحين ، كانا يتمشيان يوما قرب الترعة من وادي النيل، عندما تعثرا بكومة من الغائط .

هتف الأول : هَرَ يا "أوسمان"!

رد عثمان : لا مش " هَرَ" ...

رد الأول: بقولك هَرَ يا "أوسمان "!

استمر الاثنان في الجدال لفترة من الوقت ، ثم فطنا إلى أن " تذوق "شيئا من الكومة ، هو خير وسيلة للكشف عن ماهيتها ...

وبعد أن تذوق كل منهما قدرا منها ، هتف عثمان : إي صحيح يا صاحبي ،" هَرَ"... الحمد الله ما دسنا فيه .

والجامعة العربية لم تتمكن من التحقق من "ماهية" العنف في سوريا بعد مرور تسعة أشهر ، وخشية أن تصدر حكما مجانبا للصواب ، يحاسبها عليه سبحانه" العلي الكبير" ، ومخافة أن "تطأ موطئا" خاطئا في الأزمة السورية ... ارتأت أن إرسال بعثة " لتذوق" المشكلة عن كثب هو الحل الأنسب للكشف عن حقيقة الأزمة السورية .

ولكن جزار دارفور قد أعلن بصفاقة ، بعد شهر من عملية "التذوق" اليومي لدماء السوريين ومضغه اللحم السوري المتناثر بعد عمليات التفجير المفتعلة ، أعلن ( أن عصابات مسلحة في سوريا تعتدي على الأهالي والمراكز الحكومية وتعطل عمل المراقبين)..

وسفاح دارفور هذا، لا يمكن أن ينضم إلى صف البسطاء الطيبين من الصعيد السوداني ، بل إلى فئة ممن وصفها القرآن بالمجرمين المعاندين المكذبين الذين لا أمل فيهم و لا رجاء منهم ، وفي سورة الحجر

"ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون * لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون"

ومسلسل الرعب والبطش والفساد وسفك الدماء، في أرض الشام قد قارب اليوم عامه الكامل

واليوم تكلم " أبو رامي" ، من بابا عمر مع محطة ال ب ب س ، عن المجازر التي يتعرض لها الناس في مدينة حمص ، فالمدينة تقصف بالأسلحة الثقيلة المحظور استعمالها انسانيا ، والقناصة بالمرصاد لكل من يحاول النجاة ...

اليوم فقط خمسين شخص قتلوا، منهم أطفال قضوا نحبهم في المشافي ، وأطباء ذبحوا لمساعدتهم الجرحى . والمدينة تحتضر دون ماء ،أو غذاء ،أو كهرباء .

قتل وتمثيل بالجثث ، هتك للأعراض، هدم للبيوت والمشافي ، تدنيس للمساجد ، تطاول على الذات الإلهية ، تهجير لقرى كاملة باتت تفترش الأرض وتلتحف السماء في زمهرير الشتاء اعتقال وتعذيب لم يستثن طفلا ولا رضيعا ، سرقة وتجارة بالأعضاء البشرية ...

جرائم لا يقترفها إلا وحش مسعور، فاقدا عقله ، خارجا عن طوره .

والغريب أن معظم العالم لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع سوريا ، كندا مثلا لازالت مستمرة في علاقتها بالرغم من خروج المظاهرات أسبوعيا تندد بجرائم العصابة الأسدية ، بل إن هاربر قد توجه بالأمس إلى الصين لإبرام الصفقات التجارية .

وهكذا على موائد المباحثات والمصالح السياسية ، ترص أطباق من الصيني ، وأدوات من الفضة الروسية ،يتناول بها العالم ، "اللحم السوري" من أطفال وأبرياء...

عثمان وصاحبه لم يحتاجا سوى بضع لقيمات لتجنب "كومة الغائط" ، أما العالم على ما يبدو أنه قد أجهز عليها دون أن يدرك قوامها- حتى و بعد مرور إحدى عشر شهرا- ليتخذ موقفا جديا ينقذ فيه السوريين من الإبادة .

عذرا من "الأدب "إن كنت قد تجاوزت بعض فضائله ،ومغفرة من الله سبحانه ،وفي القرآن

"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"

اللهم إن قومي قد ظلموا فانتصر ، اللهم إن حمص قد ظلمت فانتصر .