إنهم يبيعون الوهم

محمد الفاضل

يصف الشاعر الكبير نزار قباني رحمه الله, الجمهور العربي بأنه (جمهور يرى بأذنيه) أي تعجبه الخطابة والكلمات, وجرياً على عادتي وشغفي بالصيد في المناطق المحظورة, وطرح المواضيع الساخنة, والسباحة ضد التيار, وولعي بالسلطة مع الخيار, وفي محاولة لصيد الأشرار, والمتحذلقين والشطار من التجار الذين يصرون على بيع الوهم في الليل والنهار. آليت على نفسي أن أبحر في قارب الواقع والمنطق, ناشراً شراع الحرية, ممسكاً بدفة الوطن, ميمماً وجهتي صوب شاطئ الأمان. ومروراً بكل مرافئ التشكيك والتثبيط, غير مبال بموانئ التخوين والتحزب, مستلهماً عزيمتي من طاقم الشعب, الذي أنهكه الإعصار, بغية جرف قصور الرمال الحالمة وتفويت الفرصة على الطغمة الحاكمة.

مابال هذا القبطان يعجز عن الإهتداء الى اليابسة, رغم إدعاءه أنه يتسلح بمرقاب الثوار. وبعد أشهر من الصبر وإحتمال أذى القراصنة والمغامرين, وشماتة المتفرجين, قرر القبطان إلقاء المرساة في عرض البحر, رغم إمتعاض الأخيار وإبداءهم النصح والإرشاد. وفي محاولة يائسة للخروج من المنطقة الرمادية في عجالة, بعد ضياع البوصلة, قرر بعض أفراد الطاقم أن يجدفوا بإتجاه خاطئ, رغم وضوح الفنار.

وفي خضم الإعصار, وإرتفاع وتلاطم الأمواج, وبعد أن إنقشع الضباب وإتضحت الرؤية , لابد لنا من التفكير ملياً بعد أن قطعنا جل المشوار, بملايين الثوار القابعين عند شاطئ الوطن من الضفة الأخرى, منتظرين أن نرجع اِليهم بالصيد الوفير, بعد صراع مرير. وبعد كل ماكابدناه من مشقات وأهوال, يشيب لها الولدان, من صراع مع الحيتان والغيلان, لابد أن تكون بضاعتنا رائجة لا كاسدة. يجب أن تتسم رؤيتنا للأمور بالوضوح والشفافية كون الدماء التي تسيل كل يوم لاتحتمل التأويل والسفسطة. ونقول لقبطان السفينة مامعنى هذا الغموض والتسويف؟ لماذا الإصرار على البقاء في المنطقة الرمادية؟ لماذا لاتحسمون أمركم؟ ولماذا تصرون على أن تبيعونا الوهم؟