بين أرض وسماء
عبد الرحيم صادقي
عرَج بصري إلى السماء ذات ليلة مقمرة،
فرأيتُ النجوم في عليائها مبهرة.
وانداح الكون حتى كَلَّ البصر،
وأرسلتُ النظرات تَتْرى فما قدر،
وسمعت وجيبَ فؤادي إذْ ذَكَر.
ثم قلَّبْتُ في ذي الأرض النظر،
وما حوت من ثمار وشجر،
وما عليها من ماء ونَهَر،
كيف مُدَّت فكانت مِهاد البشر،
لهم فيها ما سألوا،
وبين أيديهم من كل زوج بهيج،
ليلُهم سكَنٌ ونهارُهم ضجيج.
يضربون في الأرض وفيها رغد،
ومعاشُ الأنام فيها وإن كانوا بلا عدد.
فذكرتُ من أغفل اللهُ قلبَه،
واتبع هواه وضلَّ دربَه،
ومن علا في الأرض بغير حق،
وانتشى فلا ارعوى ولا رق.
فقلت ورب العزة لا يُمهِلهم غيرُ رحيم
فماذا يملك هؤلاء مما رأيت؟
وماذا لهم مما تُنبت الأرض إذا اهتزت وربَت؟
ليت شعري أي سكرات الحياة هذه يا ابن آدم؟
هل استظل بظلك طائر؟
أوَيُستنارُ برأيِ حائر؟
أسألتْكَ الحُمُر أن تَهديها مَرْجَها الخصيب؟
أوَاستأذنتكَ الأرضُ إذْ تشمَّلت بثوبها القشيب؟
أقالت اليمامةُ في وَكرها ماذا ترى؟
أأُلحِفُ بيضي أم أترُكه على الثرى؟
ذرةٌ أنتَ والله في كونٍ فسيح
عابرٌ أنت بل هائم كسيح
فماذا يُطغيك؟ وأي زينة تنسيك؟
وبينا أنا بين الأرض والسماء أسير،
إذِ انقلبَ إليَّ البصر خاسئا وهو حسير.