الشباب ثروة بشرية
محمود القوصي
الشباب هى فئة من المجتمع تشكل جزء كبير من الشعب المصري في الوقت الحالي ، وتمثل أهمية كبرى لمستقبل مصر و حاضرها أيضاً ، فالشباب الحالي هو من سيقود أرض الكنانة فيما بعد ، ويواصل طريق بناء وتعمير مصر - الذي بدأه أجدادنا عبر ماضينا السحيق - بعد سنوات ليست ببعيدة ، لذا علينا أن ننتبه لتلك القوى الشبابية و الثروة البشرية ، و نضعها في موضعها الصحيح و ننزلها منزلها السليم ؛ حتى تستخدم و توظف في أحسن و أكمل صورها في سبيل خدمة هذا البلد العريق و الدفع بعجلة التنمية و التطوير نحو الأمام .
و الشباب هو مصطلحٌ يطلق على مرحلة من عمر الإنسان ، تعتبر – بل هى في الواقع - ذروة القوة وأوج الحيوية والنشاط بين جميع مراحل العمر التي يمر بها البشر في حياتهم ، والشباب في علم الاجتماع هي تلك الفترة العمرية ما بين الطفولة والبلوغ ، وتوصف بأنها فترة من النمو البدني والجسماني والنفسي و الاجتماعي من سن البلوغ إلى مرحلة النضج .
و تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر بها الفرد ، حيث تبدأ شخصية الإنسان بالتبلور و الظهور ، وتنضج معالمها من خلال ما يكتسبه الفرد من مهارات ومعارف عديدة تشكل فكره و ثقافته ، و تتطبع بطابع ما يحيط به من تأثيرات مادية وفكرية و سيكولوجية ، و تظهر شخصية الفرد خلال هذه المرحلة أيضاً من خلال النضوج الجسماني والعقلي ، حيث يكتمل نمو جسد الإنسان في شبابه ، و قد حددت بسن 21 في الذكور و 18 في الإناث ، ولا نغفل عن العلاقات الاجتماعية التي يستطيع الفرد صياغتها و تكوينها ضمن اختياره الحر و ذلك حسب الوضع السيكولوجي لهذا الفرد من حيث الانتشار أو التوسط أو الانطواء ، و مرحلة الشباب هى مرحلة التطلع إلى المستقبل بطموحات عريضة وكبيرة ، فغالباً ما نرى فيها الحماسة الجامحة و الرغبة الملحة لتحقيق الآمال و الطموحات في أقصر وقت ممكن ، أما عن الفترة العمرية التي تشغلها مرحلة الشباب ، فقد حددت منظمة الأمم المتحدة فئة الشباب بأنهم أولئك الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين (15-24) سنة ً .
و قوة الشباب المصري هي قوة كبيرة ، ينبغي تقدير حجمها و وزنها في المجتمع المصري ، فالأمة التي تقل فيها نسبة الشباب تقل إنتاجيتها و يتراجع دخلها ، لذلك تعد نسبة الشباب من مقاييس القدرة التنموية للدول ؛ لأن الأيدي العاملة تكون في أقصى طاقتها في فترة الشباب ، فهذا العالم قائم في الأساس على قوة الشباب و طاقتهم و كفاءتهم ، و قد قال (روبرت كيندي) ذات مرة في إحدى جامعات (كيب تاون) بجنوب إفريقيا في ستينيات القرن الماضي : " هذا العالم يتطلب كفاءات الشباب ، لا وقت للحياة ، ولكنها حالة ذهنية ، إتجاه إلى المستقبل ، وميزة للتخيل ، وانتصار للشجاعة على الجبن ، والرغبة في المغامرة على هدوء الحياة " ، ونجد في كلامه أنه قد ربط المستقبل بكفائة الشباب ، و هذا ينبهنا بأهمية إعداد فئة الشباب إعداداً جيداً ، و تزويدهم بالعلم و التدريب الكافي لحصولهم على الكفاءة المرجوة منهم في شق طريق الأمم نحو المستقبل .
و الشباب المصري ثروة بشرية قومية يجب علينا أن نوليها الكثير من الاهتمام والدعم والتوجيه ؛ حتى نحسن استغلالها ، ونستخدمها الاستخدام الأمثل ، فالشباب في حاجة فعلية لمن يأخذ بأيديهم و ينمي قدراتهم و مهاراتهم و يشجعهم على العمل الدءوب و الإنتاج المستمر ، والحكومة المصرية تولي بالفعل اهتمام واضح و جلي للشباب و تكرث كثيراً من جهودها و طاقتها للنهوض بشباب مصر ، لكننا إذا أردنا مستقبل باهر و مزدهر لمصر و الشعب المصري ، فيجب علينا أن نفتح المزيد من القنوات و السبل التي ينفذ منها الشباب إلى أبواب الحضارة و التقدم ، فمن خلال التعليم المتميز نستطيع أن نبني جيلا ً قادراً واعياً بما يدور حوله في العالم ، و ذلك لا يتأتي إلا بالمناهج التي تحث على الإبداع لا على الحفظ و التفريغ بنظام (صب وكب) – كما يقول العامة - ، و كذلك بطرق التدريس الفعالة و تكنولوجيا التعليم المتطورة ، و هناك قناة أخرى لا يجوز أن نغفل عنها و هى الإعلام ، فالإعلام الهادف البناء يقود الشباب للطريق الصحيح و يوسع آفاق تفكيرهم و يبعدهم عن الانحراف و التطرف ، و لا ننسى المجلس القومي للشباب و وزارة الثقافة ، فدورهما حيوي للغاية ، فإبراز المواهب و القدرات و تنميتها من خلال الأنشطة الثقافية و العلمية – بالتأكيد – له أفضل الأثر على شبابنا ، و يقودهم نحو المستقبل المنير .
و هناك التدريب و الدورات التي تنمي من المهارات الفردية للشباب و تزيد كفاءتهم ، بالإضافة إلى الأنشطة الطلابية في الجامعات ، و ما تقوم به من احتواء المتميزين و الموهوبين من الطلاب و توفير جميع الإمكانات التي تساعدهم و تعينهم على الإنتاج و الإبداع ، و لا نتخطى ذلك دون ذكر دور وزارة التضامن الاجتماعي عن طريق إقامة الجمعيات الشبابية التي تفعل المشاركة المجتمعية للشباب ، و هناك بالفعل تجارب ناجحة كثيرة في هذا الجانب ، و الخلاصة من ذلك أن الدولة تستطيع أن تنهض بالشباب و تنمي قدراتهم و مواهبهم و تزيد من كفائتهم من خلال : التعليم الواعي المتميز ، الإعلام الهادف ، التدريب الكافي ، التثقيف المتوازن ، الدعم المناسب .
و كما أن للدولة دور في الاهتمام بتلك الثروة البشرية الغالية ، فهناك دور للمجتمع و الأسرة ، فأفراد الأسرة – و في مقدمتهم الآباء و الأمهات – مطلوب منهم تشجيع الشباب على الاجتهاد و التفوق في الدراسة ، وتوفير شتى السبل المتاحة لتنمية قدراتهم و مهاراتهم و مواهبهم ؛ لأن التحفيز الخارجي الذي يلقاه الشاب أو تلقاه الشابة يترك في النفس تأثيراً عميقاً ، و يدفعها دوماً للأمام دون تردد في طريق النجاح و الفلاح ، و كل ذلك يصب في مصلحة الأسرة و المجتمع و الوطن .
و من الجدير بالذكر أن دور الشباب أنفسهم في تطوير و تنمية شخصياتهم و قدراتهم و عقلياتهم هام جداً ، فقد أجمع علماء النفس و خبراء الصحة النفسية أن التحفيز الداخلي (self-motivation) أكثر فاعلية من أي مؤثر خارجي ، فالشاب الذي يمتلك الإرادة و العزيمة في داخله ، يستطيع أن يستغل مواهبه و قدراته و مهاراته ، و يعرف كيف يبرزها و ينميها و ينفع بها أسرته و مجتمعه و وطنه ، و بالتالي يكون على كفاءة عالية و فاعلية ممتازة تؤثر بالإيجاب على كل ما حوله ، فعلى الشباب المصري العمل و المثابرة ؛ حتى يستكملوا المسيرة التي بدأها الأجداد منذ آلاف السنين ، و يجب ألا يتكاسلوا و لا يتواكلوا ، كي لا تفوتهم قافلة التقدم و الرقي و الحضارة ، فيقول في ذلك ابن عطاء الله السكندري صاحب (الحكم العطائية) : " الرجاء إن لم يقرنه عمل ، فهو أمنية " ، فلا يجب أن يتواكل الشباب و يطيلوا الأمل ؛ حتى لا يفسد العمل و تصبح طموحاتهم مجرد أماني فحسب ، فلا ينفعوا أنفسهم و لا أسرهم و لا وطنهم .
و تسلل إلى سمعي على سبيل الصدفة - و أنا أكتب هذا المقال - أغنية حديثة إلى حدٍ ما لفرقة أفرادها من الشباب ، فيها دعوة موجهة للشباب من أجل النهوض و النجاح في الحياة ، و يقولون فيها : " لازم بكرة يبقى أحلى لو غيرنا شوية حياتنا ... التغيير ده حاجة سهلة لو ركزنا و أنجزنا " ، وهى تتكلم عن الشباب الذين يجلسون بلا عمل ، ولا يستغلون قدراتهم و طاقتهم سوى في الجلوس على المقاهي و لعب الطاولة .
يقول الرسول (صلى الله عليه و سلم) : " اغتنم خمساً قبل خمس : حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك ، وغناك قبل فقرك " ، و هذا الحديث الشريف يوضح لنا مدى أهمية فترة الشباب لدى الإنسان ، ويوجز ما ذكرناه آنفاً في كلمات قليلة ، فعلى الإنسان أن يحسن استخدام شبابه و يستغله فيما يعود عليه و على وطنه بالنفع و الخير و الفائدة ، ليس فيما يضيع عليه وقته و يفسد له عمله و يسوقه للانحراف .
و في الختام أود أن أقول أن العالم المعروف الدكتور فاروق الباز قد أهدى كتابه الشهير ( ممر التنمية و التعمير ) – الذي يتحدث فيه عن مشروعه العبقري للتنمية و التعمير في الصحراء الغربية - إلى شباب مصر ، ويقول: " أهدي هذا الكتاب إلى شباب مصر سائلا ً إياهم السعي الدؤوب لجمع المعرفة التي تؤهل الثقة بالنفس والولاء للعمل ، والتعرف على بقاع وطنهم الذي يرسخ الإنتماء للوطن و الإخلاص لرفعته " ... فعلا ً الشباب ثروة بشرية .