جولة بعد انقطاع
جولة بعد انقطاع ...
حسام خضرة
كم كانت عصيبة تلك اللحظات التي انجرفت فيها وراء أهوائي مصمماً على وحدانيتي خلال عدة أيام لم أرى فيها أحداً رغم اشتياقي للجميع، إلا أنني آثرت أن أعايش نفسي قليلاً لأرى أين يكمن الصراع.
كانت وحدتي صراع بيني وبين لذاتي فحادثتها حيناً وتركتها أحياناً؛ أدمنت سجائر الفقراء؛ رأيت أبي بشاكلة مختلفة عما كنت أراه فقد كان هادئاً إلى درجة البرود يحاول مداعبتي بيده ذات الحجم الكبير كي تقلده شقيقتي الصغرى التي اعتادت الضحك خلال تلك الأيام، وحين أشتم رائحة النرجيلة أعرف أن وقت السمر مع أخي قد جاء رغم أن ذلك لم يكن قبلاً؛ أما أمي فهي التي كانت تترقبني بحذر فهي تحفظني أكثر من نفسي.
كان التغيير جذرياً في حياتي البسيطة فأنا لم أعتد الجلوس في منزلنا منذ زمن، كان قضاء وقتي في الجامعة أحياناً ومع رفقتي كثيراً وعملي إن كان لدي.
استيقظت صباحاً لأجد نفسي واقفاً ويداي تتجهان إلى صدري، منحني العينين، أتمتم بكلمات لم تكن كالأمنيات التي تعلق على شجرة عيد الميلاد كل عام، كانت وكأن قلبي محدثاً ما وراء الكون مخاطباً جلالته أن ألطف بأناس تذوقوا المر ألوانا.
بعد حوار طويل بين دواخلي وإياه خطوت نحوهم متمنياً أن أرى بعض ما تركت من بؤس على محياهم وقد اندثرت أروقته قليلاً فالطبيعي في الكون أن يتغير كل برهة من الزمن شيئاً، لكني أدركت حين رأيتهم أن من هم هنا لا يعتاشون في الوضع الطبيعي.
كل شيء كان كما تركته حتى أحبال الغسيل المتدلية على أروقة الحائط المقابل لمنزلنا؛ قررت المسير أناظر الناس يميناً ويساراً، كل شيء بات غافياً لا حراك فيه أبداً، صادفت أحد أماكن الجلوس لأتناول الشاي كعادتي وأستمتع ببعض الأغاني القديمة فوجدت ما تركته قبل أيام حتى مكان الكرسي لم يتغير.
حبائل الحب باتت تدثر في النفس صدى نسيان الجمال، كل شيء كما تركته كان، أناس اعتادوا ما هم عليه حتى حين التغيير لا يدم طويلاً فتجدهم يتأقلمون معه فيصبح روتيناً عفن الشاكلة.
لا أدري ما أفعل فأنا من هذا الإطار، لكني أتمنى أن يغتار ذاك الروتين الذي بات يلاحق الناس حتى في منامها فشهوات الدنيا باتت لا تنقطع عن الأحلام أيضاً؛ كم أتمنى لو عشت في مجتمع الأربعينيات لأعاشر الحب الذي كان.