متى تعود الطيور المهاجرة؟

عمار ياسر التلاوي

سالت دموع السبعين تحفر في وجهه أخاديد من ذاكرة لم يكد ينساها من طفولة باغتته في منام الشيخوخة يصحو كطفل رضيع يصرخ أمي أمي فماذا عساها الروح تفعل بطفلها الكبير قبل موته .. بكى ثم بكى ذلك الطائر العتيق الأسمر حينما تذكر بأنه عاجز عن التحليق في السماء ولم تعد قدماه قادرة على أن تحمله إلى قبر أمه من جديد .

صعبة هي حياة الصقور كلما تقدم بها العمر لا تعيش إلا على فتات من الذاكرة تموت وعيناها شاخصة للسماء بحثاً عن قبر بين السحاب لقد عاشت طوال حياتها هناك فوق الأرض ورؤوس البشر عزيزة تأبى روحها أن تدفن في التراب .

مسكين ذلك الطائر الأسمر العجوز ينتظر كل ربيع عودة أحدهم من خلف سحابة الغربة التي لم ينزل منها المطر بعد لا تحمل له إلا ريح البعد والنسيان أو روحاً تغادر للسماء بدون قبلة الوداع يركن لحائط بيته ويسند به رأسه ويبكي إخوته الطيور العابرة التي استوطنت عشاً غير عش أمه الذي فيه كبر ريش أجنحتهم وتعلموا الطيران تحدثه نفسه ليتهم ماتعلموا الطيران فالطائر خمس اخوة طائر النيل الصامت مات على ضفاف النهر في سكون وحيداً دون أن تشيعه طيور وطائران على رمال الصحراء الحارقة يبنيان عشاً جديداً لأحلام ماتبق منها شئ وطائر عنيد في البرد حمل معه ثوب أمه عله يعطيه الدفئ فما اعطاه إلا دموع وذاكرة معطوبة لا تصلح لشئ أما الطائر الأكبر فلا زال في عش أمه يعيش على أمل بأن الربيع سيعود يوماً من خلف السحاب .

آآآآآه تنهد الطائر الأسمر وسالت من عينه دمعة يا إلهي حينما تبكي الصقور بكبرياء أشعر بأن الأرض لم تعد في توازنها وبدءت تهتز لدموعه فهل تمنع الطيور المهاجرة دمعه وتعود قبل أن يكف عن الاحلام ويسكن السماء فمتى تعود الطيور لعشها متى ؟؟؟؟؟

الربيع المسروق

يغادرني الربيع على عجل جاء هذا العام في غيابي وحضرة المرض جاء فلا أرض تحضن الاقحوان البري ولا حتى في السماء مطر جاء يسأل ذاكرتي عن رائحة الياسمين فاشتم أقراص الدواء وحبر كنت قد هجرته حتى جف حسرة وشوقاً للكلمات يبحث عن الألوان في ملابسي في عيناي في صوري التي اهدتني اياها الحياة كذباً وخداعاً بزيف ألوانها.

وحده الربيع صادقة ألوانه حين يذوب زيف الشتاء بعدما تمطر الدنيا أحلام من الثلج فتصبح ماء كنت أكثر الناس حباً للشتاء لقد خدعني بدفئه المزيف ولم يعطني إلا قلباً يرجف مع كل صباح يطلع على جسدي المنهك كيف أحبه بعدما سرق مني الربيع سرق مني صوت العصافير على شرفة المنزل وأجبرها على الرحيل من فوق إيوان الياسمين المعلقة حتى تاهت ولم تعد تأتي من جديد ألبس جسدي الأسود وحرم على كل لون حتى كنزتي الجديدة الملونة باتت في قاموس الغياب مع الذاكرة والكلمات .

حمزة يرسم أجمل لوحة

أوجعت قلبي ياحمزة حينما خرجت صورتك من صمت الشاشة التي كدت أرميها بحذائي على صورة من قتلوك باسم القانون والوطن فعن أي وطن تتكلم الذئاب وهي تنهش لحمك الطري اللذيذ هل سالت لعابهم لسنك الصغير حينما ظنوا بأن عظامك ستكون أطرى وألين من عظام من شابت رؤوسهم قهراً وظلما . حمزة ليس أخي ولا من أقربائي ولا من دولتي حمزة طفل قتلوه لأنه لايعترف بالقانون ولا النظام لايعترف إلا بلعبته الصغيرة وكراسة الرسم .

ياهؤلاء حمزة لم تنبت لحيته بعد فلم الخوف حمزة لايحفظ إلا فاتحة الكتاب ونشيد الوطن فلماذا قتلتموه أترعبكم أحلامه وشقاوة سنه . نظرت ليداه التي أحرقوها تعذيباً ياربي هذه الأيدي لم تحمل سلاح كانت قبل اعتقاله تحمل ألوان وكراسة فلماذا اعتقلوه أيعقل أن يكون بسبب رسمة في كراسته حينما طلبت منه معلمة الفصل أن يرسم ملك الغابة ؟؟

مسكين حمزة البرئ الشقي لم يزر حديقة الحيوانات ليتعرف على شكل الملك عاش طوال حياته بين العصافير وطيور البيت الأليفة ماشاهد قناة الغابة التي كان يظهر عليها الملك ليحفظ شكله وصورته فرسم في الكراسة كلباً.

حلم عصفور بالسفر

رن الهاتف المحمول يرتعش كما هو حال جسدي في أول يوم من مرضي ياترى هل أحدهم أراد أن يطمئن على حالتي الصحية سكنت اُذني تسمع الخبر .. أنت فلان قلت : نعم قال : أنت ممنوع من السفر عليك الحضور باكراً لاستلام اوراقك ...

لا أدري ما الذي يحدث كانت شفتاي هي أول رد من اللامتوقع فإذا هي تسرق ابتسامة لا أعلم من أي نوع كانت أغلقت الهاتف وأُغلق معه آخر أبواب أحلامي العصفورية التي جئت بها لهذه الدنيا صغيراً ياترى ما السبب في منعي من السفر لقد كان حلم التحرير الذي شربته مع حليب أمي عندما أُصبت صغيراً من الإحتلال الذي سرقنا كل شئ هو السبب كان حلمي أكبر من دولتهم التي منعتني التأشيرة لقد أدركو بأن العصفور إذا ما فكر بالطيران فلن تمنعه حدود دولة ولا أجهزة المخابرات ...

فيارب إلى أين السفر إلى أين المفر .. ضاق بي العش المحاصر من الوحوش التي تنتظر على الباب تسيل لعابها لجرحنا النازف ويفتح الدم المجروح شهيتها لقد أذاقت نفوسنا قبل الموت رعباً وخوفاً من المستقبل المجهول فألم بنا المرض ونحن لانشكو السقم

قررت السفر نعم قررت السفر إلى هنالك حيث لا جواز ولا حدود ولا ظابط مخابرات ولا صور سافرت إلى أقدام أمي فوجدت تحتها الجنة التي أبحث عنها كان صدرها حدود دولتي الكبيرة سافرت إلى سجادة مهجورة فأعطاني ربي أكثر من رحمة أم بولدها ....

أيقنت أنني لا أشكو مرض إنما أشكو حلم عصفور بالسفر

عاش شعبي المنتصر

سألتني صفحة الفيس بوك في مطلعها ما الذي يخطر ببالك وكأنها تتحرش بي وتستفزني للكتابة التي ماشفيت منها لهذه اللحظة بعد صراع مع الذاكرة والمستقبل المجهول وكعادتي استسلم أنا للمساحات الفارغة والصفحات البيضاء المغرية فما الذي يخطر في بالي ياترى وعن ماذا سأكتب ... آها سأكتب عن شعبي لا لا بل عن شعوبي المسحوقة العربية باسم ثورة الخضراء سأكتب وباسم نهر النيل ستجري حروف كلماتي على العقول القاحلة بثورة اليمن السعيد بشراكم ياعرب ولثورة الشام سيفي وزهرة الياسمين أنا لست من طبقة الطواغيت ولن أحمل صورة زعيم عربي أوغل في دم الأبرياء باسم الأمن عن أي أمن وشعبه يداس تحت بساطير زبانيته علام كل هذا ألا لأسجد له على الاسفلت وسجادتي وجه الزعيم أمضي وأهتف عاش الزعيم بلا كذب عاش الزعيم بلا كذب عاش الزعيم ابن ال.....

ألم أقل لكم أنني مستفز على قدر ما في هذا الصفحة من فراغ فذاك هو حجم استفزازي لقد نصحني الطبيب بالابتعاد عن الصفحات البيضاء من أول يوم مرضي إلا أن الدم الأحمر المسكوب في شوارع وطني بل أوطاني وكل شعوبي كان الزيت الذي أشعل هذه الحروف التي أنستني كل وجعي فاباسمكم جميعاً وباسم شعبي أهتف عاشت الثورة وعاش شعبي المسحوق لينتصر

ضعيف أنا يا أمي

تبدو حياتي قصيرة حينما أشعر بالضعف فأهرب بخوفي ووجعي لحضن أمي كي نغرق سوياً على صدرها بدموعنا لا أملك سوى كلمة ضعيف أنا يا أمي فالتسامحيني . أمي التي ابيضت عيناها بعد دموع العشرين لازالت تحتفظ بشئ منها ليوم ألمي ووجعي .

ضعيف أنا عندما أتعلق بحبل البشر وأنسى حبل خالقهم ذلك الذي أعطاني مفاتيح السعادة والأمن من بعد خوف وحيرة فوهبني رحمة بين يديه في بضع آيات من القرآن وأغشاني بنعاس على صدرها ... يالحظي وسعادتي لقد حصلت على جائزة من الله لا تقاس بمال ولا بأكبر مستشفى أوربي فمن منا اليوم حينما يشعر بالقلق والخوف يفر إلى ربه وحيداً ثم ينام على صدر أمه يتنهد ويبكي كالأطفال يتمتم باسم ربه خوفاً وطمعا

فمهما أؤتينا القوة فنحن أمام الله وصدور أمهاتنا ضعفاء فلماذا يلومني الناس حينما أصدح بها أنا ضعيف أنا ضعيف ....