تجرد يا شعب
تجرد يا شعب...
حسام خضرة
كانت الأربعة أيام الماضية تكفي لمعرفة بعض ما كان غائباً عن أذهاننا طيلة السنوات الماضية، حين كنت أحد المرافقين لوفد ايطالي أتى للتضامن مع شعب مقهور يقبع تحت الاحتلال ويعاني بداخله الشتات بسبب كثرة الأعمدة داخل المعبد.
قدِموا إلينا من أقصى بقاع الأرض ليحضروا ذكرى نكبتنا التي نتغنى بها أينما ذهبنا، في الوقت الذي غاب فيه أصحاب اللباس الشرعي ومن يتغنون بقضيتنا في قممهم.
حاولت أن أجد شيئاً لأتحدث به، لكني هديت في نهاية تفكيري إلى أنهم أتوا للتضامن مع شعب يبدوا أنه يأس من التضامن مع نفسه، فقررت الاعتزال إلى عالم آخر ربما أعلم شيئاً مما يخفى.
ابتعدت في ذلك اليوم عن الوسط الذي أحيا به لأعيش كعامة الشعب، فكنت سائق التاكسي الذي كان جل حديثه ذاك الصباح عن غلاء السولار، وكنت بائع السوق الذي غبرت قدماه سعياً في جلب قوت أبناءه، وأيضاً كنت الطبيب الذي يفكر في انتهاء عمله الرسمي ليذهب إلى عيادته الخاصة، كما كنت الميكانيكي الذي ينتظر عطلاً يصيب أحد السيارات.
أما في ساعات المساء كنت واحداً من المتسامرين على باب أحد البيوت مع ثلة من الناس، كان حديثهم عما وقع صباحاً ليقول هذا "اللي مات راحت عليه"، أما ذاك فقال"إحنا شو ضايعلنا عشان نروح نطبش عاليهود"، وأحدهم صرخ قائلاً "ما في حدا مستاهل أضحي عشانو".
بعضٌ من الثقافة المنحلة التي زرعها بداخلهم أولئك التجار الذين ما برحوا أن أفقدوا الناس صوابهم بسعيهم وراء بعض فتات الحياة الذي يتذوقون لذته على وقع آهات الفلسطينيين الضعفاء.
تجرد يا شعب من صدقاتهم التي أنسوك بها ثلاثة وستون عاماً من التهجير؛ اخرج يا شعب عن صمتك فهم سبب الوبال، حاول أن تعيد البوصلة عَلَنا نعود قبل السنة الرابعة والستون.
تجرد يا شعب من ثقافة النسيان، فهم يراهنون على ضعف ذاكرة الشعوب، أثبت قدرتك على العيش مقاوماً لعدوك دون انتظار القرار، وأباً يفخر به الأبناء أينما نطقت ألسنتهم، ومسالماً في الوقت الذي يحتاج فيه الوطن إلى الاستقرار.