عبقٌ من التلة
عبقٌ من التلة
محمد عميرة
القدس - صورباهر
على ظلال ليل الساهرين أمدّ أوراقي لأصبّ فوق بياضها حبرا أحمرَ من بحر الألم بالقلم ... دفعني لذلك شوق ما يهدأ ... وهو لن يهدأ حتى أرى رسوّ سفينة القادمين من الجنوب ترسو في المرفأ ... وحتى أرى على تلك السفينة من احتوى حزني أو من حزني احتواه .
طريق وعرة متعرّجة شاقة تلك التي بين الوديان المؤدية الى عشّ الشوق الغامض غموض زهرة البنفسج والقاطنة وحدها على سفح جبل في منتصف صحراء الحياة القاحلة .
سرت في تلك الطريق أكثر من عشرين عاما وما وصلت ... ولم أستطع العودة ؛ لأنني حينما التفتّ خلفي بدت لي أكثر وعورة وتعرجا ومشّقة ...
اخترت بناء عشّ على تلة مشرفة على الماضي والمستقبل ... بقيت فيها حتى هذه الساعة ، ولا أقيسالزمن بتوقيت الكواكب ، وإنما بتوقيت آخر لا أستطيع تفسيره مثلما أشياء كثيرة لا أستطيع لها تفسيرا ...
ومن على تلك التلة تارة أنظر الى الماضي فأرى فيه المستقبل وتارة أخرى أنظر للمستقبل فأرى الماضي فيه ... وتارة أنظر لنفسي أي الى الحاضر فلا أراه ...
أناس عائدون ، وآخرون قادمون ... أراهم ولا يرونني ولا أتعجب ... لكن عزائي الوحيد بل صديقي الوحيد بل أصدقائي ورفاقي ليل وقلم وورق ... بهم أخط ما بالنفس من عبق ... فيشمّ ذاك العبق ... مَنْ فقط من نفس الطريق قد سلك ْ .