من أدبيات زوج بعد خروجه من غرفة التحقيق

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

لم تغادر مخيلته تلك الأيام الصعبة التي مر فيها في غرفة التحقيق في مبنى المخابرات , وفي هذه اللحظة بالذات , سيطرت عليه تلك الذكريات

تلك التي تعصف بداخله لتسأله سؤالاً بسيطاً جداً , ويتردد السؤال في عقله , وينطق لسانه أحيانا فيه أحيانا ولكن لم يستطع تكملة السؤال , أو يكون همساً , أو ربما إشارات من نبضات كهربائية , يحمد الله أنها ليست مرئية مع أن السؤال والجواب لم يكونا كاملين فلا يعرف كيف

السؤال الصعب , والجواب عليه أصعب

ولكنه يمكن أن يجد السؤال بصورة أبسط

أو أن يجد الجواب بسهولة منقطعة النظير

يحاول الوصول وبشتى الطرق لمكان ما في المخ أو القلب , أو الجسد وحتى شعر جسده , لكي ينزع تلك الذكريات من هذه المسميات , ولكن الصوت يطرق أذنيه , ولكن الألم مازال ينخر في جسده , من غضه وصلبه

ممر طويل على جوانبه أبواب حديدية مغلقة بأقفال وأنواع شتى لعلها جلبت من مصدرها الأصلي من مراكز صناعة الصلب في أمريكا أو اليابان , تخرج أصوات مرعبة من داخل تلك الغرف المنتشرة على الجانبين , أنين وشكوى وبكاء ,وكلما زادت الشكوى انطلقت الضحكات الهستيرية والفرح والبسمة كأنها أبواق خنازير أو أن الخنزير برائحته وشكله مظلوم بالتشبيه مقارنة بحاملي المفاتيح

أربعة منهم تبرعوا للعمل الخيري هذا , وكل واحد منهم مخترعا عبقرياً في اللغات ومعادن اللغات وتحولاتها من المسمارية حتى يومنا هذا , ولم يتعلموا من تلك اللغات إلا حاجتهم لعملهم في نوع الشتائم التي يتغنون فيها على الناس في ذلك المكان

الوجوه مسودة كالحة يقطر من كل خلية فيها آلاف الشياطين والأبالسة , وتبدو لكل ناظر لها كأنها لم تجد قبحا في كل مخلوقات الأرض المرئية وغير المرئية إلا وظهرت على وجوههم تلك

يالله !!!

نعم إنه تقويم رجل , وشكل إنسان وعيون وآذان وأنف

ولكن كل ذلك ليس فيه من البشرية بشيء , فداخله المعجون من السوء والشرور كلها طغت على تلك الملامح لتجعله على صورتها هي لا صورة بشر خلق من لحم ودم

يقول الرجل لنفسه سوف أرتاح قليلاً وأنسى قليلا

ولكن لم تمر عليه إلا لحظات وينتبه لسؤال :

أين كنت ومن أين أتيت

لم ينظر إلى مصدر الصوت , مع أنه استغرب كثيراً

إنه صوت رقيق يتدفق السؤال من مكان خروجه نغمة موسيقية هادئة , تنساب بخفة ورشاقة تصاحبها شعور بنسمة خفيفة باردة تلفح وجهه في ذلك اليوم من أيام صيفنا الجميل

يسأل نفسه هل تحول ذلك المحقق الذي لم يحمل في نفسه ولا شكله ولا صوته شيء من معزوفة أو لحن قيثارة تنساب فوق تلة خضراء على جانبيها جداول الحياة الماء وجمال والنساء؟

مستحيل أن يكون قد ظهر عنده شيْ من هذا ولو جلب كل أنواع ومساحيق ومخرجي هوليوود

لم ينتبه لنفسه مازالت حياته في غرفة التحقيق , مازالت الأصوات نفسها مع أنه الآن في بيته

ولكن مع الصوت الناعم والسؤال الجميل عرف نفسه أن الذي كان يسأله ذلك السؤال بعد أن التفت لمصدر الصوت هي حبيبته وزوجته ووردته التي لن تذبل أبدا

فابتسم لها وابتسمت وقالت لقد شغلت قلبي عليك كثيراً يا حبيبي

أين كنت ولماذا تأخرت , وهل تعشيت أكيد أنك جائع جدا

لم يستطع الإجابة وإنما وجد نفسه , تقارن بين أسئلة الزوجة وأسئلة ذلك المحقق المخلوق من الجحيم أو قل إنه ابن الجحيم ذاته

فابن الجحيم كانت أسئلته كثيرة وهو الذي يسأل وهو الذي يجيب وما علي إلا هز الرأس والتوسل وتقبل مختلف أنواع الشتائم الممتدة عبر التاريخ حتى الآن

ابتسم الرجل من سؤال تذكره عندما سأله ذلك المغفل

بعد أن ولدتك أمك من غسلك ووضع الملح على جسدك ووضع اللفائف حول جسمك , قل لي من فعل ذلك وهل رأيتها؟

ثم أجاب هو عن السؤال

بعد عدة أشواط لجسمي وعدد من الأهداف سجلت لصالح المخلوقات الغريبة

هناك كان الخبيث يسألني ويسبني ويضربني والدماء تجري على الأرض من جسدي , وبعد كل هذا أقول له أترجاك يا سيدي , مع قبحه وظلمه وخلوه من كل ذرة خلقت لتكوين الإنسان

وهنا حبيبتي تسألني خوفا علي وحباً وشوقاً وأغضب منها ومن أسئلتها

الحمد لله لم تكن زوجتي تشبه نفس تلك المخلوقات الشاذة في شيء ولا كل الزوجات , حتى تلك التي قتلت زوجها وقطعته إربا وقطعا لم تكن كذلك , وإنما كان الخوف من ضياع حبيبها وخوفا عليه فقتلته (فالقطة تأكل أولادها عندما تشعر بالخوف عليهم)

أما تلك المخلوقات والمحقق وملحقاتهم وزعماؤهم

سيبقى السؤال محيراً ويبقى الجواب أصعب بكثير؟؟؟؟!!!!!!!