النهاية
الأزهر إسماعيلي/ عين البيضاء/ الجزائر
أبدا نسبر أغوار الحياة، ولا نصل إلى كنهها.. قد تتباطأ بنا الأيام.. لكن المغاليق لا بد أن تُفك يوما.. يوما ما.. ما هو؟.. ما شكله؟.. ما طعمه؟.. يكفي أنه النهاية.. ولا يكفي.. فإنه النهاية. النهاية في القصص والأفلام تعني العودة إلى الحياة.. العودة إلى حياة، قد تكون جميلة.. قد تكون مأساوية.. لكنها عودة.
انتهى.. كثيرا ما نرددها، رغم أنه لا شيء انـتهى.. إنه تراكم.. زيادة.. أما انـتهى، فإنه شيء كبير.. ضخم.. إنها فواصل، وكلما كانت الفواصل أضخم.. كلما كانت السدود أكبر، كان تمزق النفس أعمق..
الحياة مشاعر متصلة.. متوالدة.. متـحولة.. لم تكن، ولن تكون يوما نهاية.. حين نصل إلى أكبر الفواصل، نغير اسمها، فنسميها موتا.. قطعة موسيقية تبدأ بمقطع حاد متقطع على الكمان..
كم نركض ونلهث.. نخرج في الصباح بثياب نحرص كثيرا على نظافتها وتناسقها.. نهتم كثيرا بتسريحة الشعر، نلمّع أحذيتنا.. ثم ننطلق.. ونترك السؤال خلفنا.. قالت لي تلميذة يوما بعد نهاية الحصة، وقد رأيتها تلمّع حذاءها: "يعرف الناس بأنك نظيف من نظافة حذائك".. وتشغلنا كثيرا نظافة الحذاء!..
خلفنا.. أمامنا، فراغ كبير يجب أن يُملأ بأسئلة كثيرة.. ونظل طول النهار ننظر إلى أحذيتنا خشية أن تتسخ.. لا نسأل أنـفسنا مثلا : هل نتجنب الوسخ لأنه وسخ، أم لأننا نحرص على نظافة أحذيتنا؟.. لا تقولوا: إن جدلية السؤال إجابة ؛ لأن في السؤال سؤالا.. وأسئلة !..
الحياة مشاعر.. كبتها.. مخادعتها.. طمسها.. تنازعها.. برودها.. تحجرها.. تضخيمها.. تضخيمها.. تلك هي النهاية..
ونبدأ.. فالنهاية بداية.. بداية اللملمة.. إعادة التوزيع.. بآلات أخرى.. قطعة أخرى.. ولكنها موسيقى.. موسيقى الخلود الخالدة.
النهاية صمت.. فراغ.. رهبة الصمت والفراغ الأبديـيـن.. شيء لا يمكن للمشاعر والخيال الإنسانيين تحمّله.. بدايتها.. نهاية المشاعر.. أما نهايتها.. أنا لا أستطيع، الآن ، الانتهاء إليها...!