أختي الشجرة

منى كوسا

[email protected]

مبارك ربي في أختي الشجرة التي تغتسل كل يوم بأشعةالشمس , تحيا, تتألم,تتحدى,تستمتع وتموت لكن هذا كله يتجاوز طاقتي وطاقة الآخرين.

أريد من الجميع أن يدلني على شخص واحد في العالم الرحب كله يحب الشجرة أكثر مني , إنها روحي , أراها نبض الحياة و أميرة الكون, راحة للنفس و نعمة وهبها الله , صادقة لطيفة فيها من براءة الأطفال وملائكة الرحمن .

لا أستطيع أن ابتدىء يومي دون أن أتبادل معها التحية و أتريث , أحدق بها , أمسك بأوراقها , أدرك أنها تعرف كيف تنظر إلي فأصرح لها بما في داخلي , أقرأ حكايتي و أنا ممتنة لها لأنها تسمعني وهي صامتة تتملقني بانتباهها الهادىء و الصبور تنصت كطفلة صغيرة بريئة بينما أتحدث إليها وعندما أسكت عن الكلام تلتزم الصمت وقد بهرها ضوء الشمس والريح تتنهد من فوقها .

كل يوم تنتظرني أنا وهي بالواقع تنتظر شكلاً من أشكال الحب و هكذا أخذ حبي لها شكله المتصاعد, أرويها وهي تهتز بأوراقها اللطيفة مما يجعل قلبي يقفز وينتشي بالفرح , أشترك معها بروح من الحب الأخوي والوجداني , حب عميق واشتياق داخلي لجمالها الصامت, أشعر أن حواسي تزدادرهافة , أرى فيها ما يجب أن يتحلى به البشر و أتمنى أن أجد من يشبهها تماماً لأتعامل معه , صلباً وصامتاً هادئاً يحب موطنه متشبثاً به بقوة  .

كل يوم تناديني هيا استيقظي لا تريدني أن أبقى نائمة أكثر فأخجل على نفسي منها ولا أطيل بالنوم أستيقظ باكراً أو لا أنام حتى أرويها و أغوص في أعماق طفولتي المنسية أتصفح معها ذاتي بالكامل فتتصفحني ونتوحد معاً , أستمتع بالشعر أنشده إلى درجة أترك لروحي المحترمة أن تقيم حواراً ودياً وانتهيت إلى وضع ميثاق قدسي بيننا , رأيت فيها أختاً تكافح , شجاعة ممشوقة القامة أو قصيرة كل شيء فيها كان يرهبني وكأنني أمام مشهد عاطفي غريب ومميز أعتقد أن لا أحد قادرعلى حب أقوى وأعمق مني تجاهها فأنا أتبادل الرسائل وأتقابل معها يومياً ,وعندما منحني الله حباً عظيماً للطبيعة أصبحت قادرة على التكلم بلغة البساتين والأشجار كشاعرة لي لغتي الخاصة بين البشر ,وأنا مدينة إلى ما تعلمته من الشجرة التي جعلتني رمزاً للحب و الوفاء و فتحت أمامي فسحة من الإشراق و السعادة , لقد وهبتني امتيازاً عظيماً في قدرتي على النفاذ بعمق وصفاء إلى الروح الإنسانية النبيلة , روضت نفسي على فعل الخير , أراقب أدق التفاصيل , أعثر على كنزمن المتعة والفهم للحياة تفوق معرفتي السابقة ,احترمت ذاتي أكثر لأنني شعرت بالسكينة والتسامح الشديدين والحكمة والحيوية في أعماقي مما زاد في انجازعملي وتفوقي..

كنت أعرف معرفة كافية أن الطبيعة تكمن في قلبي و يجب أن أبدأ بتعلم حب البشرية بجدية تامة ولكن كيف ومن هم الصادقون ؟وكيف لسجيتي أن تتعافى من الضياع الذي سقطت في دوامته ؟.كيف لي أن أتصالح مع القدر و أتلذذ بوليمة الحياة وأستغرق في الضحك و أنسى البكاء و التعب؟علي أن أبحر في مياه صافية ترفرف من فوقي راية البطولة في تحد واثق كفتاة مغامرة متفوقة تنظر للحياة بوصفها درباً قصيراً, تثبت تفكيرها على هدفها و حلمها الذي لا غنى عنه , لا تعلي من شأنها و تقلل من شأن الآخرين الأقل موهبة منها وهي تحب الفقراء و الصادقين وتكره حياة الذيف والنفاق والبذخ , لكن يحيرني ويربكني سؤال يراودني دائماً كيف لي أن أظهر للبشر شيئاً من الاحترام ؟ الأمر صعباًعلي ففي ظل ذلك عندما أقابلهم لم يكن في وسعي إلا أن ألاحظ إلى أي مدى أفسدت علاقتي بمعظمهم لأنهم خداعون..فأنا قبل كل شيء مرهفة الحس وطيبة مع الطيبون و ذئبة شرسة مع الأشرارواعية أن الكلمة مقدسة و أنه يجب احترامها واستعمالها من أجل الخير و الشرف و ليس لتشويه سمعة الناس و أرى من الصواب أن أدع أقراني البشر و شأنهم و أوفر حناني و اهتمامي بحب الشجرة  لذلك كنت مؤمنة بأنني أحتاج إلى جسريصلني بعالم الطبيعة كي أعمل على ملء خزانتي الداخلية و النفسية وفرحي أفاق أمتزج مع فيض من الذكريات و أضرب على جدار قلبي الحساس السريع التأثر كما تضرب الرياح على شاطىء البحر , فعندما أصوم أعطش ولا أتذكر من عطشي هذا إلا الأشجار والنباتات أرويها بالماء والحب معاً  فهي صادقة معي للأبد لأنها لا تعرف كذب البشر فمعظمهم يمتلك صفة خداع  النفس ,محتالون يظهرون بأنهم شرفاء في عين المجتمع وهم في الحقيقة يمارسون الكذب والتستر فلا يعرف حقيقتهم أحد دون أن يتوصل القانون لكشفهم أو إثبات شيء ضدهم , لكن لا يفر أحد منهم من يد العدل الكوني .

أريد أن أعلم الناس كيف يعون نبض الطبيعة و يستمتعوا بها في غمار زحام هذه الحياة باعتبارنا لسنا آلهة خلقنا ذاتنا بذاتنا , لماذا لا يخرج كل منا من الثرثرة و يتجه للأدب و يتآخى مع الطبيعة و لنخرج من عالم الموضة والأزياء إلى عالم الربيع المتدفق الألوان ونتجه للمروج و السفوح الخضراء , ننسى عالم الأرقام وننزع من ذاتنا حب المال .لنخرج من الفن الهابط في الغناء وتعدد الفضائيات على التلفاز فما أجمل الحركات الراقصة للنباتات تسحرني تمدني بشعور لكي أنضم إليها و أنا كل يوم متحمسة كثيراً لمهرجانها الطبيعي , و إذا كان علي أن أدعو أصدقائي في تمضية أمسية موسيقية مع الأشجار والنباتات , أساعدهم بذلك على قتل الساعات المملة لديهم شرط أن لا يطرحوا علّي أسئلة كثيرة أو في نيتهم السخرية مني  فلا مانع عندي أن نمضي جميعاً وسيرتاح كل شخص من الحياة الخشنة و القاسية ويروق كثيراً لمنظر السحر والجمال الإلهي و لا يحتاج إلا أن يكسي ذاته بالعبارات الجميلة فهو سينطق الشعر حكماً , ينسى كآبته ومصادر قلقه و يعثر على سمفونية طفولته محفوظة هناك في رحم الطبيعة الخلاب , تراه يغني بعذوبة يختار أغنيته المفضلة  يعرف أنه لم يكن قدغنى منذ وقت طويل و قد أثر به أن سمعها في تلك الساعة من الصفاء و اختارها ليكون سعيداً على طريقته الخاصة برهة من الزمن ,لكن كانت ما تزال تنتظرني مهمة أصعب هي كيفية أقناعهم بالتحدث مع الأشجار كما أفعل أنا و هم منفتحي الذهن بما أقوله دون أن يتعارضوا مع أفكاري حول التآخي مع الأشجار , إنها الرمز السرمدي وبحث وتوق إلى الوطن ., وإني إذا أردت أن أعود بسرعة و بصورة كاملة من أمسيتي مع الطبيعة ليس أمامي إلا أن أفتح درج الطاولة المزدحم بالأوراق في غرفتي لأستعرض على الورق ما قمت به وأنا سعيدة بأن بحثي عن السعادة في العالم قدأعادني رغماً عني أخطه بحروفي التي ولدت من ركني الأليف بين الأشجار و الغابات حيث نسيت نفسي من أكون و بت على شفا أن أعتبر نفسي أختاً لكل شجرة أرويها .فبدأت أؤلف مقطوعات شعرية و أخذت الدفاتر تمتلىء بالقصائد والقصص القصيرة , أمدتني بعطر ينساب منها , استنشقت بها الهواء الشديد النقاء , فلقد تثقفت مجاناً من مدرسة الطبيعة دون مقررات دراسية مملة و اذداد إيماني بالله و بت أميل إلى الهدوء والصمت , و أتمنى من الجميع أن يتعلموا من مدرسة الطبيعة الرائع ,لقد أدركت أن هناك خمس حاجات فقط في حياتي أتمنى أن تتحقق وهي : الأولى هي أن يدوم الحب بين البشر و الثانية هي أن أمزج عناصر الطبيعة لأستخرج منها ما يطعم المعوز و المحروم كأن أكون حبة قمح منصهرة بخميرة حبي والماء النقي تقدم كلقمة شهية للأفواه الجائعة , و الثالثة  أن أنطق ليس باسم موطني فحسب و إنما باسم ضعفاء العالم في أي مكان وجدوا ضد العدوان والإمبريالية بصفة عامة , و الرابعة أن أكون بلسماً شافياً أضمد جراح الأيادي المقطوعة في الحرب والخامسة  التآخي أو التوحد مع الطبيعة .