الماشطة والوجه العكر
منى محمد العمد
ليس عجيبا أن تستقيل كارين هيوز , بل ربما كان العجب ألا تستقيل , نعم فقد عجزت هي الأخرى ـ بعد سابقتيها تشارلوت بيرز ومارجريت تاتوايلر ـ عن تحسين صورة أمريكا في العالم . وقديما قال المثل العربي " ماذا تفعل الماشطة بالوجه العكر ؟ "
لو ملكت هيوز كل مساحيق التجميل فلن تكون قادرة على تحسين صورة أمريكا في العالم سيما في العالمين العربي والإسلامي . إذ كيف تحسن صورة وجه يبتسم في خبث , ويداه تعيثان في الأرض الفساد ؟ من يستطيع أن يمحو من أذهاننا صور تعذيب العرقيين في أبو غريب ؟! من ينسينا تلك الممارسات المذلة التي مارسها الجنود الأمريكان المدججين بالسلاح على أسرى لا حول لهم ولا قوة بل لا ذنب لهم أيضا , فقد سيقوا من بيوتهم يتبعهم صراخ أطفالهم وعويل أمهاتهم وزوجاتهم دون جريرة ارتكبوها , وهذا ما اعترف به الجنود الأمريكان أنفسهم لمجلتهم " ذا نيشن " والتي نشرتها مجلة المجتمع الغراء من قريب .
من يستطيع تحسين صورة أمريكا بعدما رأى العالم كله أفعال جنودها في جوانتانامو , وماذا عن السجون السرية في الدول الأوروبية وغيرها ؟ والتي نفت أمريكا وجودها لفترة من الوقت , ثم أقرت على استحياء , ثم قال مسؤولوها بوقاحة وصلف إن هذه السجون موجودة وإنها قانونية , ومن حق أمريكا أن تفعل ذلك . فقد روي أن هامان قال لفرعون : قد بالغت وتماديت , فقال فرعون : ومن يردني إن أنا فعلت ؟!
من يغفر لجنودها الذين يقول بعضهم عن العراقيين : هؤلاء السمر البشرة الذين لا يتحدثون الإنجليزية ليسوا بشرا ومن حقنا أن نفعل بهم ما نشاء .
نعم كان يجب أن تستقيل هيوز بعد زيارتها لعدد من الدول العربية وإدراكها مدى استحالة مهمتها , فقد التقت بأعداد من الطلبة والمثقفين ومثلها من يستطيع التمييز بين آراء بعض المنتفعين من مناصرة السياسة الأمريكية وبين من يعكس نبض الشارع العربي .
ولو أنها دخلت مواقع بعض المنتديات العربية خاصة تلك التي تجمع النخب من الأدباء والشعراء والمترجمين والمفكرين لعرفت مدى بشاعة الصورة الأمريكية في الذهن العربي , وغني عن القول أن السياسة الأمريكية في بلادنا هي التي صنعت هذه الصورة البغيضة .
حتى المرأة العربية المسلمة في السعودية بشكل خاص التي راهنت هيوز هي وغيرها عليها وظنت أن النساء هناك سيهرعن إليها شاكيات من إجبارهن على الحجاب ومنعهن من قيادة السيارات ومن حق الترشح والتصويت , خاب ظنها عندما التقت بطالبات سعوديات محجبات أعربن أمامها وأمام صحافيين أمريكان كانوا يرافقونها أعربن عن اعتزازهن بالعباءة وعبرن عن سخطهن من حديث وسائل الإعلام الغربية التي تحاول إظهارهن على أنهن مظلومات وأكدن لها أنهن سعيدات وأنهن يشعرن بالانتماء لمجتمعهن , حتى لو منعن من ممارسة بعض الحقوق السياسية وقيادة السيارات .
كيف تستطيع هيوز وغيرها تحسين صورة أخطبوط له ألف ذراع و كل واحدة منها تفسد في ناحية من الكون فتقتل الأبرياء وتستولي على مقدرات الشعوب وتهلك الحرث والنسل وتسلب الناس أعراضهم وكرامتهم , بهدف بسط هيمنتها على العالم ؛ فذراع في أفغانستان وأخرى في العراق , وثالثة في دارفور ورابعة في مقديشو وغيرها وغيرها مما يبصر العالم ويسمع , ورحم الله من قال : حتى النمل في جحوره تأذى من أمريكا .
كل هذا وغيره ثم يوظفون امرأة لا لتنسي العالم فظائع أمريكا فقط بل لتحسن صورة أمريكا !! لقد أبغض هذه الصورة المنصفون حتى من أهلها , فماذا سيفعل المنسحقون بالظلم الأمريكي ؟؟!!
من حق الماشطة في النهاية أن تعلن عن عجزها التام عن تحسين صورة الوجه العكر .