أفكار مبعثرة
في ذاكرة فتاةٍ مغتربة .. ؟!
أروى عبد العزيز
.. إن المؤمنَ في الطريقِ الطويل .. يحملُ شوقهُ على كاهلهِ .. لجنانٍ تزينت هناك في الأعالي .. حداؤه دائماً ::
فحيِّ على جناتِ عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
.. إن هذا الشوق يخفف دائماً علينا الكثير من المتاعب .. لأننا على يقينٍ بأننا سنلتقي يوماً .. فكلُّ المتاعبِ ستكونُ في ذاتِ الإله .. ولا بد لأشواقنا من ارتواء ..
ولكن لابد لنا قبل ذلك من رسم طريقنا .. وتحديد أهدافنا .. نحن في هذا الدرب الذي عشقناه … ورفضنا التخلي عنه يوم واجهتنا أعاصير الحياة .. وصارعتنا ألآمها ..
لذلك كل شيء فيه يحلو لنا مهما كان مُراً ..
إذاً فهذا الدربُ لن يكون أبدا “عادياً ” بالنسبة لنا .. ؟!
.. دواءُ جراحنا .. ومن كانوا يوماً بلسماً شافيا .. وماءً عذباً .. روى ظمأنا .. ( رفقائنا ) على هذا الدرب .. في يومٍ من الأيام كانوا هم الدواء .. و البلسم ..
ويومٌ آخر أقالوا عثرتنا .. وجففوا دموعنا .. وأوقفوا النزيف المتصبب من جراحنا .. هم من أضاؤوا لنا الدرب .. حملوا الشُعلْ في طريقنا ولم يعلموا يوماً بأنهم هم الشُعل ..
هم الشموع التي أضاءت حلكةً الليلِ المُدلَّهم في دربنا .. فلم ولن يكونوا بالنسبة لنا شيئاً “عادياً ” .. أبــداً !!
.. وطني الذي فارقته يوماً وأنا طفلة صغيرة لم تعي بعدُ معنى الاغتراب .. فارقتُ الأهل والأحباب ..
فارقتُ أرضي .. الرفاق .. أشجارُ منزلنا .. فارقتُ الدفء .. وعشتُ بلا وطن .. وتجرعت مرارة الغربة صباحاً ومساء !!.
.. وعندما كبرت كان الشقاء .. يكبر كل يومٍ معي .. وتتسع في داخلي رقعة الألم .. فأمسيتُ أجرع كؤوس الاغتراب .. غربة ديني .. وطني .. أهلي .. غربة مبادئي وقيمي ..
.. ديني الذي كان مناطَ تفكيري .. ومازال .. بلادي المغتصبة .. قوافل التشريد المتصاعدة كل يوم ..
يتمٌ وفقرٌ وجوعٌ وأسـر..أفكارٌ تراودني .. فتحرمني النوم .. ولكن عزائنا أنها لم تكن إلا هجرةً لله ورسوله ..
.. وبالرغم من هذه الأفكار المبعثرة .. ما زلت أطمع بأملٍ يسطع من خلفها .. ولعلني أدركه .. بل أحسه .. إنه قريب .. وقريبٌ جداً ..