نموذج عن مبدأ الفهد

خواطر من الكون المجاور 6

ز. سانا

قبل عدة أيام قرأت خبرا مفجعا من النت ، الخبر تم نشره في وسائل اﻹعلام بهذه الكلمات ( طفل سعودي بعمر 5 سنوات يذبح أخته الرضيعة -الصورة - وكاد أن يقتلها لولا تدخل اﻷهل...)... صورة هذه الطفلة المسكينة أثرت في نفسي وكانت تتكرر بشكل متواصل في مخيلتي أثناء كتابتي سطور المقالة السابقة "مبدأ السلحفاة " ، ذكرتني هذه الصورة بمفكر عربي مشهور جدا يعيش في السعودية ويعتبر اليوم قدوة في العلم و الفكر الثقافي الحديث حيث تسعى جميع وسائل اﻹعلام الصحفية والتلفزيونية في نشر أفكاره على جميع ليس شباب السعودية فقط ولكن الوطن العربي بأكمله تقريبا. هذا المفكر الذي وضعته وسائل اﻹعلام ليكون قدوة للعرب هو نموذج يعبر تماما عن مبدأ الفهد ! هكذا شاءت الحكمة اﻹلهية أن أكتب عن مبدأ السلحفاة وفي الوقت نفسه كانت صورة الطفلة المسكينة مع كل جملة أكتبها تذكرني بأصدق نموذج عن مبدأ الفهد. 

وقبل أن أتكلم عن هذا المفكر أود أن أذكر أن جميع الصحف ووسائل الإعلام اتهمت والد الطفل واعتبرته أنه هو سبب تلك الحادثة المفجعة لأنه أخذ معه ابنه ذو الخمس سنوات إلى المسلخ لذبح خروف العيد ، لذلك حاول الطفل أن يقلد عملية الذبح، إن مثل هذا الاتهام لا يدل سوى على عمى روحي لأن الأطفال ومنذ ولادة البشرية كانوا يرون آباءهم يذبحون الخرفان والدجاج، فلماذا صفحات التاريخ لم تذكر حادثة واحدة تتحدث فيه عن ذبح اخ لاخيه الصغير سوى في هذه الفترة الأخيرة فقط؟!... ففي مصر كذلك عام 2009 ذبح طفل أخته ذات الثلاثة أشهر وقالوا أنه قلد أمه عندما رآها تذبح دجاجة، مثل هذه الادعاءات ليست إلا اثباتات على سيطرة العمى الروحي على ثقافة العصر الحديث ، وتفسير ما يحصل في عالم الأطفال الآن هو خروج الأطفال من العناية الإلهية لأن كبار مفكري بلادهم قد دمروا البيئة الروحية التي ينمو فيها الأطفال.

إسم المفكر موضوع مقالة اليوم هو الدكتور خالص جلبي ،سوري ولد عام 1945 درس الطب في جامعة دمشق ثم درس الشريعة اﻹسلامية وبعدها سافر إلى ألمانيا وحصل على دكتوراه في إختصاص جراحةاﻷوعية الدموية.... أول مؤلفاته كان (الطب محراب للإيمان) والذي كان أيضا أطروحة تخرجه في كلية الطب، ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلته في التأليف ووصلت إلى أوجها في عام 1999 حيث صدر له ستة كتب في عام واحد، اليوم عدد مؤلفاته كما - كتب عنه في النت- 27 - كتاب وفي مكان آخر يذكر أنها اكثر من ثلاثين كتاب، وعدا عن ذلك فهو كتب آلاف المقالات،مثلا في جريدة اﻹقتصاد السعودية كتب 1070 مقالة وفي جريدة الشرق اﻷوسط له اكثر من 960 مقالة، وكتب أيضأ -13-حلقة لمسلسل علمي (نافذة العلم على اﻹيمان ) و- 15- حلقة أخرى لمسلسل علمي آخر يحمل عنوان (العلم واﻹيمان )، وكتب مقالات يومية وأسبوعية في أكثر من- 14- جريدة ومجلة في دول عربية عدة ، كثير من القنوات التلفزيونية وخاصة القنوات السعودية دعته ليشارك ويعطي رأيه في بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع العربي، بالإضافة إلى جميع نشاطاته تلك كان يعمل أيضا كطبيب جراح في المستشفيات .....و اليوم يكتب مقالات أسبوعية في أربع جرائد عربية من دول مختلفة (السعودية ، اﻹمارات، البحرين ،المغرب). 

من يقرأ بعض كتبه أو مقالاته التي تتكلم عن كل شيء ( فلسفة ،طب ، تاريخ ،فلك ،فيزياء....) سيجد أنه يذكر ويتكلم عن عدد كبير من الكتب العربية واﻷجنبية بشكل يجعل القارئ يتساءل مع نفسه : ما طبيعة عقل هذا الرجل هل هو عقل بشري أم كومبيوتر كيف إستطاع قراءة المئات من هذه الكتب ؟ هذا الرجل متى يعمل ومتى يقرأ ومتى يكتب وهل ينام ؟! فعلا من سيفكر في كثافة معلومات هذا الرجل سيقع في حيرة.، وللأسف كثير من المثقفين العرب إعتبروا هذه الصفات المحيرة في هذا الرجل نوع من العبقرية وأنه مدرسة فكرية قائمة بذاتها، ورمزا كبيرا من رموز الثقافة ومنهجا منفردا من مناهج الفكر والنقد ،...لذلك انطلقوا ورفعوه ليصبح قدوة لجميع شباب اﻷمة العربية....في هذه المقالة سأحاول التغلغل في أعماق فكر هذا المفكر العربي ﻷكشف للقراء تلك القاعدة الفكرية التي يعتمدها في أبحاثه وتحليلاته ليعلموا كم هي فقيرة روحيا وكم ساهمت في دمار البيئة الروحية للمجتمع لتصل إلى ما عليه اﻵن ،حيث وصلت الأمور في السعودية البلاد التي يعيش فيها و يمارس نشاطاته فيها إلى أسفل السافلين لنسمع فيها اليوم خبر طفل يذبح أخته الرضيعة.

بالنسبة لي فأنا لم أتفاجئ بهذا الخبر فقد كنت أشعر أن البيئة الروحية للأطفال في السعودية كانت في طريقها إلى اﻹنهيار وأنها ستصل إلى هذا المستوى في وقت قريب ، فقبل سنوات قليلة إلتقيت برجل عندما علم أنني كاتب وأبحث في مشكلة العنف عند اﻷطفال أخبرني أن له صديقا كان يعمل في السعودية وفي مكة بالذات. ورغم أنه كان يتقاضى راتبا محترما ولكن من شدة ما عاناه إبنه ذو الثامنة من عمره من قساوة وكره التلاميذ السعودين زملاءه في المدرسة حيث جعلوا المدرسة وكأنها كابوس مرعب له والسبب كان فقط ﻷنه غريب وﻷنه أفضل طالب في الصف من جميع النواحي اﻷخلاقية والدراسية ،كل ذلك الكره لهذا الطفل كان بسبب تفوقه وبسبب صفاته الحميدة والتي كانت تشابه صفات الرسول صلى الله عليه وسلم. . ورغم أن اﻷب إشتكى لمعلم الصف ولمدير المدرسة ولكن اﻷمور ظلت تسير من السيء إلى اﻷسوأ ، وأخبرني أن صديقه من شدة حزنه على إبنه عندما علم أن السفارة الأسترالية قبلت طلبه للهجرة إلى هناك بكى من شدة فرحته..... .هل يعلم المسلمون ماذا يعني أن تسيل دموع أب من الفرحة ﻷنه سيهرب مع عائلته من مكة ومن أطفالها وأهلها ويهاجر إلى دولة مسيحية لينقذ إبنه الصغير من وحشية أطفال مكة! وكما قال لصديقي أنه بسبب إقامته في مكة كره المسلمين وهرب منها كي لايصل إلى مرحلة يكره فيها اﻹسلام أيضا! وكما قال أن أكثر أطفال مكة اليوم ليس لهم علاقة بأحفاد الرسول ولا بأحفاد خلفاء الراشدين ،هم أشبه بكثير ﻷحفاد أبو لهب أو أحفاد فرعون.

هل يعلم المسلمون ماذا يعني أن تصل البيئة الروحية في مكة إلى مستوى يتحول أطفالها إلى أحفاد فرعون! وليصل اﻷمر إلى محاولة طفل بعمر الخمس سنوات أن يذبح أخته الرضيعة كما فعل قابيل بأخيه هابيل !؟ هذا يعني ببساطة أن كبار المفكرين في السعودية دمروا البيئة الروحية للطفل وأعادوها إلى الوراء آلاف السنين...سلوك اﻷطفال هو أصدق مرآة عن طبيعة ثقافة مفكري البلاد وحينما يقتل الطفل فهو لا يرتكب جريمة إنما يطلق إنذارا لكبار هؤلاء المفكرين ليعلموا أنهم يقودون اﻹنسانية إلى طريق اﻹنتحار.

موضوع اليوم حساس جدا لذلك أرجو من جميع القراء أن يتركوا جميع العواطف الشخصية جانبا ويتمعنوا جيدا في كل جملة سأذكرها في هذه المقالة التي ستحاول تحليل القاعدة الفكرية التي يستخدمها ذلك المفكر الذي أصبح قدوة لجميع الشباب العرب وخاصة في السعودية البلاد التي يعيش فيها وأطلب من هذا المفكر طالما أنه طبيب وكذلك أطلب من الجميع أن ينظروا إلى اﻷمور ببساطة وكأنهم ينظرون إلى مريض يأخذ نفس الدواء لسنوات طويلة وبدلا من أن يتعافى ويستعيد صحته نراه قد وصل إلى مرحلة اﻹنهيار الكامل وعلى خطوات قليلة من الموت، فاﻷمور وصلت كما ذكرنا إلى مرحلة جعلت من أطفال مكة اليوم أشبه بقابيل وأحفاد فرعون. في هذه المقالة أنا أحاول تحليل هذا الدواء (القاعدة الفكرية) ﻹثبات أنه سام وأنه بدلا من أن يشفي المريض سيقضي عليه. 

الحمدلله أن المخطط اﻹلهي شاء أن يجمعني بشكل غير مباشر مع هذا الدكتور ولتكون لي معه تجربة سمحت لي أن أغور في أعماق فكره ﻷكتشف حقيقة تلك القاعدة التي يعتمدها في بناء ثقافته ونوعية إدراكه لكل شيء يجري حوله و ﻷكتشف أيضا كيف يقرأ كتب غيره وكيف يكتب كتبه ومقالاته. فقبل أربع سنوات قرأ كتابي (النساء عين الروح ) وكتب عنه مقالة نشرت في جريدة الوطن السعودية وكانت مقالته تلك عبارة عن نقد لاذع جدا..حيث إتهم كتابي بالضبابية. .واﻷفكار الخرافية. .وبالغموض. ..وباﻷخطاء التاريخية والدينية و الفيزيائية. ... وبالأخطاء الكونية. ...هكذا ذكر كل هذه اﻹتهامات بدون أن يتوقف ولو لبضع دقائق ليتمعن بهذه اﻷفكار الجديدة المذكورة في فقرات كتابي والتي يقرأها ﻷول مرة في حياته،هكذا بكل بساطة حكم عليها بالخطأ فطالما أن هذه الأفكار الجديدة لم يكتبها عالم غربي ولم يسمعها في الكتب اﻷجنبية أو الكتب التي يعترف هو بصحة أفكارها فكان حسب رأيه لا داعي ﻷن يبحث فيها.، وللأسف حتى أنه لم يكلف نفسه بالقيام بأبسط اﻷشياء، أن يذهب مثلا إلى النت وينظر إذا ما كان القانون الفيزيائي الذي إعتمدته في إستخراج تلك المعلومة الفيزيائية المذكورة في كتابي هي صحيحة أم خطأ، ولكنه إعتبر نفسه يعلم كل شيء ولا داعي للرجوع ﻷي مرجع فراح وحكم على ذلك القانون الفيزيائي بالخطأ! من يتمعن جيدا في أسلوب نقده لمقالتي يشعر وكأن أستاذا كبيرا في مختلف العلوم يلوم تلميذا صغيرا لا يجيد اﻷحرف اﻷبجدية!

حتى ساعة قراءتي لتلك المقالة لم أكن قد قرأت صفحة واحدة من بين عشرات آلاف الصفحات التي كتبها ولم أكن أعلم عنه شيئا، ولكن من خلال ما ذكره لي أخي عن شهرته وعن مكانته العلمية في الساحة العربية لم أصدق أن مستوى كبار مفكرين العربي قد وصل إلى هذا المستوى من العمى الروحي ، وإلى هذا المستوى من العبودية للفكر الغربي، فمن أسلوب تفكيره في نقد أفكار كتابي كانت توجد أدلة واضحة تماما على عبودية للفكر الغربي .لذلك كان من الطبيعي في نهاية المقالة أن يكتب لي شبه نصيحة وهي أن أبتعد عن اﻷشياء العلمية وأكتفي باﻷشياء الروائية! هكذا بكل بساطة وبهذه السرعة ذهب وحكم على مجهود فكري شاق دام أكثر من 40 عاما بأن ابتعد عن اﻷشياء العلمية!

بعد قراءتي بتمعن لمقالة الدكتور ذهبت وكتبت بعض اﻷسطر أدافع بها ليس عن نفسي ولكن عن صحة أفكار كتابي التي ذكرها الدكتور في مقالته، وفي هذه اﻷسطر ذكرت اﻵية القرآنية ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) والآية القرآنية عن المطففين (و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) لعلهم يخافون الله ويفعلوا ما يأمرهم الله به ويضعوا شيئا من إثباتاتي وأرسلت ردي إلى جريدة الوطن السعودية التي نشرت مقالة الدكتور. . ولكن يبدو أنهم رأوني صغيرا جدا ﻷصحح رأي الدكتور خالص جلبي العالم الكبير في أعينهم ،لذلك لم يضعوا من رسالتي سطرا واحدا!... .لا أدري أيضا فيما إذا كانت هذه المقالة اللاذعة التي كتبها الدكتور عن كتابي قد لعبت دورا مباشرا أو غير مباشر في وضع إسمي في قائمة اللائحة السوداء للمفكرين الممنوعين من عرض أعمالهم في مكتبات المملكة السعودية. .فبعد عدة أشهر من صدور المقالة وعندما ذهب موظف دار النشر التي أصدرت كتبي للإشتراك في معرض الكتاب في الرياض فوجئ من اللجنة المسؤولة عن المعرض بمصادرة كتبي ومنع عرضها على زوار المعرض.(هكذا أعلموني )

كتبي التي إحتاجت إلى جهد فكري شاق من البحث والتي إعتمدت مبدأ السلحفاة لذلك إحتاجت سنوات طويلة من التفكير والتحليل في كل شي ومن جميع زواياه والتي حسب رأيي هي ليست إلا ( دكتوراه في عاطفة السلام ) فجميع مواضيعها كان لها هدف واحد الدفاع عن حق الطفل بأن يعيش في بيئة روحية خالية من الشوائب الشيطانية لينمو فيها وينمو معه اﻹحساس بذلك الجزء من روح الله في داخله هذه الروح التي تجعل اﻹنسان مماثل تماما ﻹبن آدم هابيل الذي قال ﻷخاه قابيل ( لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) كتبي هذه منعت من العرض أما كتب الدكتور خالص جلبي وأولئك الذين لعبوا دورا كبيرا في دمار البيئة الروحية للأطفال فكانت تملأ أجنحة المعرض ....رغم حزني الشديد من هذا الظلم.. لم أفعل شيئا ، فحسب قناعتي لم يكن لي هناك طريقة راقية يقبل بها الله يمكن بها إظهار هذا الظلم فإنسان بسيط مثلي غير معروف إسمه لن تسمح له وسائل اﻹعلام أن ينطق بحرف، وأيضا لم أكن متأكدا أبدا من تفاصيل مايحدث ومن هو المسؤول اﻷول ومن شاركه في إصدار القرار في وضع إسمي في اللائحة السوداء فللأسف نحن لسنا أمام شخص أو شخصين أو مجموعة من اﻷشخاص ولكن أمام روح سوء عالمية يعمل الملايين من الناس في خدمتها وللأسف معظمهم لا يعلمون ذلك بل على العكس تماما فهم يظنون أنهم يحاربون هذه الروح ولكن لا يعلمون أنهم يزيدون الطين بلة. و ليس من الصدفة أن هذه الروح اليوم وصلت إلى هذا المستوى من القوة التي إستطاعت بها أن تحكم جميع المجتمعات العالمية تقريبا......لذلك رأيت أن أفضل حل هو أن أصمت وأسلم أمري لله فهو أعلم العالمين بحقيقة ما يحدث وهو خير العادلين.

(اليوم نعيش في عصر الفوضى لذلك مهما كان اﻹنسان واعيا سيبقى حكمه على الذين ظلموه غير منصف وقد يفعل أشياء تحوله هو إلى الظالم ،لذلك اﻹنسان المؤمن بالله يصبر ويسلم أمره لله وأهم من كل ذلك عليه أن يثق بالعدالة اﻹلهية كما فعلت أنا تماما )

في تلك السنة 2011 حيث تم رفض عرض كتبي في المعرض شاءت قدرة الله وسقطت الأمطار بغزارة وقرأت كيف أنه لم يعد سقف معرض الكتاب يستطيع تحمل كمية اﻷمطار المتساقطة وكيف المياه اخترقت سقف المعرض وبدأت تتساقط على رؤوس الزوار وعلى الكتب المعروضة ، وكيف أسرع المسؤولون عن المعرض ﻹنقاذ الوضع ولكن كانت اﻷمطار أقوى بكثير من قدرات المسؤولين ، وأتى رجال الصحافة واﻹعلام مذهولين ليكتبوا عن هذا الخبر المثير وطبعا كانت من بينهم جريدة الوطن السعودية التي رفضت نشر حتى سطر واحد من سطور رسالتي ،وراحت جميع وسائل اﻹعلام السعودية والعربية تنشر هذا الخبر المثير (اﻷمطار الغزيرة والبرد تغرق معرض الكتاب في الرياض وتتلف آلاف الكتب. .واﻵن أصحاب دور النشر يطالبون المسؤولين بالتعويضات بسب الخسائر المادية التي تعرضوا لها...).(.يمكن رؤية الخبرفي الصورة )...

بالنسبة لشخص مثلي لا يؤمن بمبدا الصدفة ولكن يؤمن بأن كل شيء يحدث يضع الله فيه معنى روحي ليساعد به عباده في فهم ما يجري حولهم ،فهذا الخبر كان بالنسبة لي وكأنه كلمات من الله عز وجل لها هذا المعنى ( لا تحزن. ..أنت على حق في علومك. .تابع أبحاثك...الله يمهل ولا يهمل). 

وكالعادة ذهب رجال الصحافة بتلك النظرة السطحية التي لا تدل سوى على وجود عمى روحي في رؤيتهم للأحداث يتهمون اللجنة المسؤولة عن صنع صالة المعرض بأنها هي السبب اﻷول في حدوث هذه الكارثة وللأسف لم يحاول أحدهم أن يتساءل : من ذلك المؤلف الذي كانت كتبه المعروضة في المعرض سببا لغضب الله! أو من ذلك المؤلف الذي ظلمناه ومنعنا كتبه من العرض فكان سببا ليعاقبنا الله من أجله بهذه العقوبة و ليجعل من دولتنا التي تعتبر من أغنى دول العالم ماليا تظهر بهذا المستوى من التخلف في صنع المنشآت.... لا شيء يحدث صدفة الله يتكلم مع البشر بهذه الطريقة ولكن حتى يستطيع اﻹنسان فهم كلمات الله يجب أن يكون لديه إدراك روحي وهذا لا يأتي إلا عن طريق مبدأ السلحفاة أما منطق الفكر المعاصر ( مبدأ الفهد) الذي يعتمده الدكتور خالص جلبي ومفكري العصر الحديث فهو عاجز عن فهم هذه اللغة اﻹلهية ﻷنه يرى فقط سطحية اﻷشياء. 

هل يعلم الدكتور خالص جلبي الذي إستهزأ من أفكار كتابي ( النساء عين الروح) أن فكرة البحث بسرعة الفهد بدأت تشغل فكري عندما كنت طالبا في الصف الخامس اﻹبتدائي ،وذلك عندما أتت عائلة من أقربائنا لتسكن في منطقتنا وكان لديهم إبن إسمه فهد وكان لديه عاهة في عينيه ( أحول ) في تلك الفترة بدأت أبحث في هذا الموضوع و أتساءل ( إلهي لماذا خلقت هذا الفتى المسكين بهذه العاهة ) هذا السؤال شغل فكري طويلا ،ومن يسأل الله شيئا ليس لنفسه ولكن ليزداد علما لن يترك الله فكره يتوه في الظلام ولكنه سيرسل له الجواب المناسب وفي الوقت المناسب وبطرق مختلفة . .من خلال عدة حوادث جاء جواب الله على سؤالي وكان بما معناه بأن كل من يرى اﻷشياء بسرعة الفهد لن يرى حقيقة اﻷشياء ولكن السطحية فقط وسيكون على شاكلة المسيح الدجال الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعور.....عندما دخلت المرحلة الثانوية كان أسلوب قراءتي للكتب يعتمد مبدأ السلحفاة. منذ ذلك الوقت - من الصف الخامس اﻹبتدائي - وأنا أبحث في كلمات الله في كل شيء حولي.

هل يعلم الدكتور خالص جلبي وجميع أولئك الذين أعطوه هذه القوة ليكتب عشرات اﻵلاف من الصفحات ، أنني قبل نشر أول كتاب لي كنت أجلس يوميا لمدة 6 ساعات على اﻷقل وأحيانا كانت تصل إلى 12 ساعة و لأكثر من 20 عاما وأنا أبحث وأحلل! و فقط في السنوات اﻷخيرة بدأت أقارن نتائج أبحاثي مع آخر ما توصل إليه العلماء في مختلف العلوم المادية واﻹنسانية. .وأنني طوال هذه السنوات الطويلة لم أكتب حتى جملة واحدة من أفكاري على الورقة لأتذكرها!.....هل يصدق الدكتور خالص أن معلومات بحث وتحليل بدأتها منذ كنت طفلا ولمدة أكثر من 40 عاما كانت جميعها مخزنة في عقلي فقط ولم يسمع عنها أحد، لسبب بسيط جدا وهو أنني منذ كنت طفلا كنت أشعر بأن بعضها كانت غريبة عن المألوف وبعضها كانت تبدو وكأنها تعارض ما أتعلمه من أساتذة الديانة ولكن وﻷن هذه اﻷفكار الغريبة هي التي جعلت مني طفلا وفتى له قدرة عجيبة على نشر الفرحة والسعادة لكل من حولي وأيضا جعلت الجميع يشعرون بالفخر ﻷنني إبنهم أو أخوهم أو صديقهم ،لذلك كان لدي شعور بأن أفكاري الغريبة هذه كانت من عند الله ﻷنها تنمي المحبة والسلام بين الجميع لذلك كانت تأتي بهذه النتائج الحسنة في سلوكي نحو اﻵخرين. ولكن وبسبب عدم قدرتي على التأكد من ذلك بشكل مطلق أخفيت هذه اﻷفكار عن الجميع وطلبت من الله أن يساعدني في تخزين كل شيء يأتي منه في عقلي وأن يجعلني انسى كل شيء ليس منه وأن يحدد هو الوقت المناسب لظهورها.

هذا هو الفرق بين أسلوب تفكيري واسلوب تفكير الدكتور خالص جلبي ،هو ينسخ وينشر ما يقرأه وما يفكر به مباشرة أما أنا فأنتظر حتى تختمر الفكرة وتتجرد من جميع الشوائب المحيطة بها لتصل إلى منطقتها الذهبية فإذا كانت من عند الله فهي ستأخذ مكانها الصحيح وترتبط بإنسجام كامل مع ذلك الجزء من روح الله في أعماقي، وأما إذا كانت من روح السوء فهي لن تستطيع اﻹتحأد مع هذه الروح وستبقى لوحدها دون روابط ومع الزمن ستطرد إلى الخارج وتختفي من عقلي وعقلي الباطني . 

ملايين و ملايين اﻷفكار البسيطة عبر سنوات طويلة تم إتحادها في فكري لتشكل تلك المعلومات التي ذكرتها في كتبي وأذكرها اﻵن في مقالاتي، فكل معلومة أذكرها إحتاجت إتحاد آلاف اﻷفكار البسيطة واﻷرقام لتأخذ المعنى الذي تحمله. ..يكفي أن أعطيكم مثالا بسيطا أن المعلومة التي ذكرتها في كتابي ( النساء عين الروح) عن النبي يوسف عليه الصلاة والسلام بأنه ولد عام 3024 قبل الميلاد كان نتيجة إرتباط آلاف الأفكار واﻷرقام بشكل متناسق مع بعضها البعض، وإذا حاولت اﻵن ذكرها في كتاب ستحتاج إلى 500 صفحة أو ربما أكثر، وهذه هي مشكلة إثبات صحة أفكاري ﻷنها أتت من آلاف الأشياء التي لا يمكن شرحها في أسطر قليلة، من سيقرأ كتاب ب 500 صفحة فقط ليتأكد أن يوسف عليه الصلاة والسلام ولد عام 3024 قبل الميلاد ؟ 

في البرنامج التلفزيوني إضاءات يسأل تركي الدخيل مقدم البرنامج الدكتور خالص سؤالا فيضحك الدكتور ضحكة سريعة على هذا السؤال ويقول لمقدم البرنامج بأن سؤاله قد أوقعه في الفخ. .. هل يعلم الدكتور كم هي عدد المرات التي آرائه نفسها قد أوقعته في أفخاخ كثيرة لتكشف مدى سطحية رؤيته للأشياء واﻷحداث. سأحاول أن أذكر بعضها وإليكم هذا المثال البسيط : 

في البرنامج التلفزيوني نادي القراءة يقول الدكتور أن مفتاح تغيير اﻹنسان هو كلمة (إقرأ ). ..ويتابع قوله بأن بهذه الكلمة بدأ الله قرآنه الكريم وعلى هذا الأساس ذهب ينصح المشاهدين بقراءة أكبر عدد من الكتب وذكر عناوين بعضها وذكر الطريقة المثلى لقراءتها. ...هل يعلم الدكتور بأنه من خلال كلامه هذا أوقع نفسه في الفخ فرغم أنه خريج جامعة الشريعة اﻹسلامية ورغم أن بعض كتبه تحمل في عناوينها كلمة فلسفة وأخرها كتاب عنوانه (فلسفتي) وكما يقول في أحد البرامج التلفزيونية انه توقف عن العمل كطبيب ولأنه كما يقول أنه عاشق الفلسفة لذلك فهو اﻵن يعتبر نفسه فيلسوف فقط. ولكن بهذا الكلام عن كلمة (إقرأ ) أثبت أن مفهومه لمعنى كلمة فلسفة مفهوم سطحي محرف ليس له علاقة نهائيا بالمعنى الحقيقي لكلمة (فلسفة ). فالفيلسوف الحقيقي لن يخطر على باله إطلاقا أن يضع عنوان كتابه (فلسفتي ) ولكنه سيضع لكتبه عناوين مثل فلسفة الديانات ،فلسفة الطبيعة ،فلسفة الكون.فلسفة المجموعة الشمسية ،فلسفة خلق اﻹنسان، فلسفة الوان ، فلسفة عاطفة السلام. ..وسيحاول في هذه الكتب أن يشرح عظمة الحكمة اﻹلهية في إنسجام العناصر المكونة لهذه اﻷشياء. هذا هو دور الفيلسوف ، ولكن للأسف وكما حصل في القرن التاسع عشر أتى ماركس وحذف منها الرؤية الروحية وجعلها علما شبيها بعلم الإجتماع واﻹقتصاد والسياسة ،نظرة الدكتور خالص جلبي مشابهة تماما لنظرة ماركس لمعنى الفلسفة لذلك فكره لا يختلف نهائيا عن منطق الفكر الغربي الذي بدأت به اﻹنسانية في قرن العشرين والذي بفضله وصلت إلإنسانية إلى مستوى من الوحشية لم يعرف التاريخ مثلها من قبل، وأكثر أسماء الفلاسفة والعلماء التي يذكرها الدكتور في مؤلفاته ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا الإنحطاط الروحي الذي تعاني منه المجتمعات اﻹنسانية الحديثة. 

(معنى الفلسفة موضوع طويل لذلك سأذكره في الخاطرة القادمة إن شاءالله ،ولكن هنا سأتابع الفقرة السابقة ﻷعطي من خلال هذا المثال البسيط للدكتور ولأولئك الذين إعتبروه رمزا منيرا للثقافة الحديثة ، فكرة مبدئية عن المعنى الحقيقي للفلسفة) 

هل يعلم الدكتور خالص وجميع علماء الدين و الفلاسفة (المطففين ) في العصر الحديث بأن أول كلمة نزلت من القرآن ( إقرأ ) ليست صدفة ولكن حكمة إلهية هدفها ربط الدين الجديد اﻹسلام مع الدين الذي قبله المسيحي ليعلم المؤمنين بأن علاقة الديانتين اﻹسلام و المسيحية مشابهة تماما لتلك العلاقة بين الجزء الخضري في الشجرة مع ساقها. ..هل يعلم هؤلاء أن إسم الكتاب المقدس للديانة المسيحية (إنجيل) المذكور في القرآن أيضا هو كلمة يونانية EYAΓΓEΛIO معناها (خبر حواء ) او بشكل اوضح معناه (الخبر كما تراه عين حواء ) وبمعنى أوضح أكثر اﻷخبار كما تقرأها حواء، والمقصود هنا القراءة الروحية لمعنى كل ما يحدث عبر مراحل حياة اﻹنسانية منذ خروجها من الجنة وحتى عودتها ثانية إلى هناك،هذا هو المعنى الحقيقي لكلمة ( إقرأ ). لذلك كان جميع تلامذة عيسى عليه الصلاة والسلام لا يقرأون وكانوا عبارة عن صيادين سمك ومن الطبقة البسيطة جدا في الثقافة، وليس من الصدفة أن التلميذ الوحيد من تلاميذ عيسى والذي كان يشذ عن القاعدة ﻷنه مثقف ويجيد عدة لغات كان يهوذا اﻹسخريوطي الذي خان عيسى عليه الصلاة والسلام وساعد الكهنة اليهود في محاولة قتله . 

هؤلاء التلاميذ الذين لا يقرأون ولا يعلمون شيئا عن جميع أولئك الفلاسفة وعن آرائهم وكتبهم الذين ذكرهم الدكتور خالص في برنامج (نادي القراءة ) هولاء التلاميذ البسطاء إستطاعوا أن يدخلوا اﻹيمان بأعظم أشكاله في نفوس مئات اﻵلاف من الناس وهؤلاء بدورهم إستطاعوا أن يصمدوا ويصبروا لمدة أكثر من 300 عام من الاضطهاد والتعذيب والقتل وكثيرا منهم تم رميهم في ساحات المصارعة لتكون أجسادهم طعاما للحيوانات المفترسة الجائعة ولكن لم يستطع أحد أن يمحي إيمانهم من قلوبهم ، .... صفات الرسول صلى الله عليه وسلم كانت شبيهة بصفات عيسى وتلاميذه، وعندما نزل عليه جبريل وقال له ( إقرأ ) لم يكن قصد جبريل أن يتعلم اﻷحرف اﻷبجدية ليستطيع قراءة كتب أرسطو أو أبوقراط ،ﻷن الرسول صلى الله عليه وسلم كان نبيا يعرف القراءة والمقصود من هذا النوع من القراءة ليس القراءة المادية التي يتكلم عنها الدكتور خالص ولكن القراءة الروحية التي ذكرناها والتي لها القدرة على قراءة كلمات الله الموجودة في كل شيء وفي كل حدث خلقه الله والتي نقلها الله عز وجل إلى كتابه العزيز، لذلك إختاره الله ليكون نبي اﻹسلام ولم يختار شخصا آخر من علماء عصره الذين كانوا يقرؤون ويؤلفون الكتب في ذلك الوقت. . 

لذلك يصف الله عز وجل رسوله باﻷمي من ( اﻷم ) أي حواء كما هو في معنى كلمة إنجيل وليس من (الجاهل في القراءة) كما يعتقد الدكتور خالص وعلماء المسلمين..لذلك أيضا الحضارة اﻹسلامية بدأت بعصر إسمه اﻷموي ،أيضا هذا اﻹسم من (اﻷم )وليس من أمية كما يعتقد الدكتور خالص الذي يعتبر نفسه فيلسوف ولا يستطيع فهم هذه اﻷشياء البسيطة في فلسفة اﻹسلام . هذه اﻷشياء هي حكمة إلهية ليعلم المسلمين أن قاعدة دينهم وحضارتهم هي الرؤية الروحية (العلوم الروحية) وعلى مبادئها يجب أن أن يدرسوا العلوم المادية، وعلى هذه القاعدة السليمة إستطاعت العلوم المادية في التطور لتصل شيئا فشيء إلى مجدها في نهاية عصر النهضة .ولكن للأسف أتى ماركس وحذف القاعدة الروحية من الفلسفة في البحث وقضى عليها كعلم، غياب علم الفلسفة من المنهج العلمي الحديث أدى بالعلوم إلى ان تصبح معارف خالية من روح الله، حتى علوم الدين التي تتكلم عن الله أصبحت هي نفسها خالية من روح الله. . واﻵن يأتي الدكتور خالص جلبي من طرف والشيخ الدكتور محمد العريفي من الطرف اﻵخر في السعودية وكلاهما يعتمدان على نفس هذه النظرة الماركسية المادية الفقيرة ويحاول كل واحد منهما تفسير القرآن والتاريخ بطريقته الخاصة اﻷول يدعو إلى اللاعنف واﻵخر إلى حمل السلاح والجهاد، ورغم أنه يبدو في الظاهر أن كل شخص منهما مناقض للآخر ولكن في الحقيقة كلاهما وجهان لنفس العملة وهذه العملة للأسف عملة فاسدة لا علاقة لها لا بالفلسفة ولا بأي شيء له علاقة بالدين اﻹسلامي. ومن يبحث في أعماق آراء اﻹثنين يجد أن كلاهما ساهما بنفس الدرجة بدمار البيئة الروحية في السعودية وفي العالم العربي.

في تلك البلاد التى قبل /1443/عام ولد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت فيها ولادة دين جديد وبداية حضارة عريقة ساهمت بشكل كبير في تطوير اﻹنسانية اليوم أحد أطفالها يذبح أخته الصغيرة ،وأطفالها اﻵخرين يكرهون ويحقدون ويؤذون كل تلميذ متفوق في الدروس وفيه الصفات الحميدة التي كانت من صفات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

يا علماء السعودية والوطن العربي، اﻷطفال أحباب الله وهم أمانة في رقابكم ،إذهبوا إلى المدارس اﻹبتدائية لتأخذوا صورة واضحة عن مستوى نمو الكره وحب تعذيب اﻵخرين في نفوس اﻷطفال، إذهبوا واعلموا عما يفعلونه من أذى بكل تلميذ متفوق يحاول ان يحمل صفات حميدة من صفات الرسول وخاصة إذا كان هذا الطفل غريبا من بلاد أخرى ،عندها كان الله في عون هذا الطفل المسكين من ذلك الكابوس الذي سيعيشه في ساعات وجوده في المدرسة.

" ربي إرحم هؤلاء اﻷرواح البريئة ففي هذا العصر الوحشي ليس لهم وللأسف سواك ياإلهي."

...... يتبع في المقالة القادمة.....