حينما
حينما
سهام عبد الرزاق
هذه الخاطرة تحمل أشواق أم وابن تدور حول أمل اللقاء الموعود في أحضان الوطن المسلوب ...أمل الشروق
حنين الأم:
حينما غاب آخر شعاع من أشعة الشمس أدركت أنك لن تعود ، لقد قلت لي يومها : أماه ترقبيني مع كل شعاع من أشعة هذه الشمس المنيرة وحينما أعود سأحمل لكي باقات الورود الذهبية ذات العطور المسكية... سأحمل لكي أرضا ووطنا وقلبا آخر كله حب وأمان ...سأحمل لكي أيضا صورة أبي ،لكنها ستكون بابتسامات الرضا بدل تلك التي وضعتها فوق الخزانة بنظراته الحزينة....سأحمل لكي علما يشع نورا، وحلما أخضرا جميلا...سأحمل لكي بدل الكفن خيوط حرير وردية لتحيكيها –كما كنت دائما تفعلين – مآزر للأبناء الخليل ليستحيلوا كفراشات هنا وهناك تطير...سأحمل بدل الدماء عطورا أرش بها تراب الوطن لتستحيل ذراته مسكا منثورا، ونزرع فوقه زنابق مسرورة نرويها بحبنا.. بقلوبنا..بروعة الأمل المكنون...سأحمل لكي أغاني الربيع ترددها أزاهير البساتين المنسية وقطرات الشتاء الندية ورياح الخريف القصية ونسمات الصيف الزكية...سأحمل لكي ابنا آخر لا يحلم بالثأر، لا يحمل خنجرا بل قلما وحبر لا يبكي لرحيل أب بيد حقد وغدر...سأحمل... وأحمل... وأحمل...
أين أنت لتحمل لي كل ما قلت؟.
أين أنت؟ أم أنك فقط قلت لي ذلك لتقنعني برحيلك إلى هناك ...إلى حيث رحل أبوك... ولم يعد.
كان يجب أن أعرف أنه الطريق الذي يأخذ ولا يعيد...ولكنك أقنعتني...أقنعتني بحماسة صوتك الصادق الذي كان ينبثق من جواي...أقنعتني بأشعة عيناك التي أحسستها بعينايا...أقنعتني بثورتك..بقناعتك ،فلو كنت مكانك لذهبت...لكنني لست مكانك، فلماذا اقتنعت وأعطيتك موافقتي التي حررتك وأحرقتني...أحرقتني كما فعلت شمس هذا اليوم الطويل،تحت أطلال الخليل...ولم تحضر...لم تحضر أي بني...لكن ربما ستحضر مع أشعة شمس الغد، فإنك لم تحدد اليوم، وفي كل يوم هناك شمس ومع كل شعاع هناك أمل...أمل العودة.
اشتياق الابن:
حينما تنفس الفجر وأشرق أول شعاع من أشعة الشمس الذهبية أدركت أنك حجزت مكانك بالبرية بين أطلال الخليل تنتظرين عودتي...عودة ابنك الذي غادرك منذ زمن طويل...عودة وحيدك مع الأمل...تنتظرين رجوع قلب غادرك ذات يوم، قلب تزداد دقاته مع شروق كل شمس...يزداد شوقا حارقا إلى عينيك، إلى لمسة يديك...قلب خائف عليك أماه، تتمزق شرايينه حينما يتذكر آلامك، بل يسمعها ويعرف أحزانها...أحزان الألم المدفون، بين شرايين القلب المشحون...مشحون بحب الابن الغائب....بحب الوطن الهارب ...بأمل كاذب يتنقل بين السنون، وينتظر مع الأنين أن تفتح أبواب القدس المنسية لتكسر قضبان الصمت وتشتري الموت إن غاب النصر المنشود.
أيا قلبا يحمل أوجاع الكون في لحظات،ويزرع في آن واحد بذور الأمل بين الأموات لعله يوقظ أحلامهم من ذاك السبات، ليرسم العالم من جديد ويمحوا حدود الوطن المقسوم، ويعود بنبضاته إلى أطلال الخليل ليرتمي بحجرك الحنون ويبكي بكاء الأطفال يغسل به غربة السنين ورهبة ذلك الكابوس المجنون.
أماه...إذا لم أعد غدا فربما بعد غد ، وإن لم يأت ذلك اليوم فابق تترقبين....ترقب الأزاهير النورانية...ترقب خيوط الحرير الوردية ...ترقب أماه الأمل، رغم الألم...ترقب العطور فوق تراب فلسطين المنثور تحت جثث أبنائها...أكبادها وهي تذرف دموعها وتعلن زغاريدها لترسم ظلهم أفراح نصر مكبوت بأحشائها لن يخرج إلى النور إلا...حينما.