في رحاب الأقصى...

جُمان يوسف النتشة

المسجد الأقصى وقبة الصخرة

جُمان يوسف النتشة

كلية الطب - جامعة القدس/ فلسطين

[email protected]

بسم الله!

بسم الكريم.. بسم الرحيم.. بسم اللطيف بعباده الرفيق..

هذه قصة أرويها.. أكتبها كي أذكر تفاصيلها.. وأذكر انتفاضاتي وسموّي.. وأذكر جمال الدنيا ورقة المشاعر .. وأذكر لحظات الحياة!

قبل عشر سنواتٍ.. التُقط لنا المشهد نفسه.. في المكان نفسه.. ثم انقطع المكان والزمان عنا.. وانقطعنا عنه.. وحيل بيننا فلم تلمس أيادينا معاً الحجر ذاكَ.. إلا اليوم!

أتراهُ يذكرنا؟!

ويذكر أن هاتين الفتاتين كانتا قبل أعوام عشرة طفلتين.. تضحكان وتصخبان.. وتركضان؟!

أيذكر حبّنا؟!.. أيذكر عشقنا؟!.. أيذكر معنا كلّ اللحظات التي تناثرت في خافقي اليومَ وطارت تدغدغني كريشات الحمام الناعم.. تخفقُ حباً على الوجنات.. وتداعب العيون الحالمة برفق.. ما أعذبها!

أيذكر ذاك الحجر وتلك الطرقات الكثيرة أقدامنا الصغيرة؟.. أيعلمُ أنها هي هي.. من توافقه الآن وتدوسه حباً؟.. أيعلمُ أنها هي هي التي كانت تتقافزُ.. وتتسارعُ.. وتتسابقُ إلى الساحات البعيدة.. لا يحفـها إلا الشجرُ والسماءُ والشمس والعصافير؟!

أيذكر.. الأيادي الأربعة الصغيرة التي كانت ترتفع تدعو.. وتنخفض عميقاً في حفرة الرائحة الزكية لشعرات رسول الله؟!

آه! تخرج عميقاً جداً..

لا ألماً.. بل سموّاً وتهللاًَ!

آه من طيف الذاكرة ومن شغاف القلب.. آه لذيذة تـُوفق المشاهدَ.. وتوزع العواطف الملتهبة في الزوايا.. ثم ترسم الصورة الكبيرة للدنيا..

صورة تهزّ الأعماق هزاً.. وتحيي كل الخلجات المندثرة النائمة..

صورة الكون الذي كان كبيراً علينا.. ثم هو فجأة يصغر.. وصورتنا صغيراتٍ لا نفقه إلا حبّ الساحات الممتدة.. والبريق الأصفر الملتمع كالشمس.. ثم نحن فجأة نكبر!

وصورة الحبّ ندخره في قلوبنا.. ثم هو يتفجّر ويتبعثر.. يُغرقنا.. ويملأ صدورنا جمالاً.. وحلاوة ليست من الأرض!

وإنّ قطعة من الزمن لتمضي.. ونحن تحت شجرتنا.. ونحن في دارنا الحجرية التي امتلكتها هناكَ قلوبنا.. ونحن على درجةٍ من الدرجات الكثيرة البيضاء.. والنّور يلاطفنا.. والنسيم يداعبنا.. ومسك الذكريات يتنهّد في أضلاعنا..

إنّ القطعة من الزمن تلك لتمضي.. وإنّها لتحفر في كل تكة من تكاتها شعوراً يستقرّ في الحنايا.. شعوراً لا أستبدلُ به كلّ ساعات الأرض.. وأجعله في حساباتي الأولَ.. إذ إنّه الذكريات.. إنّه الطفولة والطهر والبراءة.. وإنّ استعادته ولو بعد سنوات عشر هي الطهر.. وهي البراءة.. وهي الطيب والحسن.. وإنّها لهي: رائحة الجنّة!

وما في الجنّة إلا الطيبين.. وما الطيبون إلا الذين تسحّبت نفوسهم من كلّ ما ترتبط به نفس أو تتشبث به روح دُنيا.. فصاروا نورانيين.. كنفوس الأطفال الذين كنّاهم.. ثم نحن اليوم عشناهم.. إذ وقف الزمان وأهدانا نوره.. ثم رفعنا عالياً جداً.. حيثُ العصفوران يتناغمان.. وتتناغم أرواحنا معهما: أرواحاً لله.. في أرض الله!

يا ربي لك الحمدُ.. كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك..

رضيتُ بالله رباًً.. وبالإسلام ديناً.. وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً.. ورسولاً!