ربما
وليد شلاعطة سخنين
ربما تجلس عاجزا, أو مكبل الكلمات, ملجوم الصمت حينما تبحث عن فكرة ما بأنحائك, ربما تضطر للسفر داخلك طويلا, تتمعن وتتفكر بعبثية الأشياء, تعجب من واقع غيّر ملامحه ورسم شكله الجديد كما تريد عادات وأفكار كان يتوجب أن تقال منذ سنين. والأولى بها ان تستقيل ...
ربما يقرر كل واحد منا عندما ينفض عن وجهه ركام التعب صباحا وحينما يستدعي النعاس ليرحل معه نحو أحلام قد تبشر بجديد مضيء, أن يترك لليل وللنهار الشأن في محو ما هو مزعج ومتطفل.
ربما يقرر ذلك الشاب الذي يزعج الغير بجلجلة موسيقاه أن ينطوي خلف حدوده ويدرك أن للغير حرية لا حق له بخدشها....
ربما يقرر طلابنا أن الدفاتر والكتب جنة غناء قد توصلهم الى رياض مليء بالجد والرؤية المستقبلية لهم ولشعبهم.
ربما يقرر من ينتظر خيمة الظلام ليلف وجهه بكوفية العتمة وينزوي بين الأحراش يسامر قناني النبيذ, أن للأشجار حق التفرد والسهر والهدوء, وأن المكان لا يرغب بوجوده فهو "ضيف ثقيل".
ربما يقرر من يرمق الغير بنظراته الاستعلائية أن الصراصير أيضا تستعلي على من هو أصغر منها, وأنه (ويل لك همزة لمزة * الذي جمع مالا و عدده * يحسب أن ماله أخلده * كلا لينبذن في الحطمة * و ما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة * إنها عليهم مؤصدة * في عمد ممدة).
ربما يقرر طلابنا إكمال دراستهم للقب الأول في "علوم الديشي" واللقب الثافي في "علوم الستة مئة والسبعة مئة" ولتحضير دراسة الماجستير والدكتوراة في " مدى تأثير المقاهي ولقاءات المكتبة على نفسية, انجازات وأبحاث الطالب الجامعي العربي في البلاد".
ربما يقرر البعض ومن اليوم فصاعدنا أنه قد وضع دستورا جديدا لتعامله مع الغير, صلبه يتلخص بما يلي: لقد ثبت شرعا ووفقا لكل المقاييس الدينية, الدنيوية, الآدمية والأخلاقية أن لغيرنا حقوقا وحرية كما لنا, وأننا سنحترم وجهة نظر الغير, ونتقبل الرأي الآخر, وننزل من فوق أنانا.
ربما يقر التجار بعض الشعارات الجديدة " لا غش بعد اليوم", " ولا سرقة وحرمة بعد اليوم", " البائع بالحلال مرتاح", " الزبون أولا".
ربما يقرر الناس أنه آن الأوان لإخراج الضمائر من القمقم, وإعطاء الحق فرصته ليثبت نفسه.
ربما يقرر الأخوة أن يوقعوا اتفاقية هدنة ووقف لاطلاق الشتائم والمسبات حتى إشعار آخر.
ربما تقرر النساء عدم شرب قهوة الصباح عند الجيران إحتجاجا على تردي الحالة الإجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة والفقر داخل المجتمع العربي في البلاد.
ربما يقرر الأطفال عدم الذهاب للمدرسة حتى يتم استبدال بعض المعلمين بذوي الكفاءات والشهادات التي حصلوا عليها من تعب عيونهم وليس عيون غيرهم.
ربما يقرر من يستتر وراء الدين الخجل من نفسه وإعلان توبته النصوح الى الله.
ربما يقرر مبحروا الانترنت أن يقسموا قسم الشرف , يتعهدون بموجبه باستعمال الانترنت بهدف تثقيف أنفسهم, تسلية عقولهم, إغناء أفكارهم, التواصل مع الغير والتعلم منهم, استغلال التنوع والحرية المعطاه لاكتساب مهارات حياتية تكون ركيزة لصقل شخصية واعية ومدركة.
ربما يقرر الناس أن يغطوا نيران غيرتهم بلوحات تسامحهم, ويجعلوا من السنتهم مخرجا للكلام المعسول, والدعاء لغيرهم يالتوفيق والنجاح.
ربما يقرر الجيران إبرام إتفاقية سلام خماسية, يتعهد بموجبها الطرفان بالعيش السلمي المشترك دون مسبات ومضايقات, والتفكير في كيفية النهوض بالحارة لمقام مرموق.
ربما يقرر من يشاهد باب الحارة أن لا ينظر للصور فقط وأن لا يستمتع بالأحداث فقط, ففي الحلقات العديد من سنابل الخير والمحبة التي يجب أن نعيدها لمجتمعنا " أحب لغيرك ما تحب لنفسك".
ربما يقرر الناس الكف عن التغني بالماضي والنظر للأمام فربما يرون المستقبل.
ربما نكف عن تقليد غيرنا فعندنا ما يقلدنا الغير به.
ربما يعلم الشعراء والخطباء والقادة السياسيين أن الناس قد ملت منهم, فهلا أبدعوا حقا.
ربما يعي عشاق كرة القدم, أن لعب الفوطبول لا يغني عن رغيف الخبز.
ربما يدرك من يوزع السجائر على الناس في الأعراس أن من حقهم مشاركته في الفرح, فلا حق له بانتقاص دقائقهم السليمة.
ربما يدرك من يوزع السجائر في المآتم أن الأموات يكرهونه لأنه يؤذيهم ويؤذي الملائكة بذلك.
ربما يقرر من يود التعقيب على المقال أن يحترم المقال وكاتبه وان كان لا يتماشى مع رأيه وشخصيته ولا يتوافق مع آرائه ومواقفه.
ربما يقرر كاتب المقال حصر أفكاره كي لا يثقل على القراء, فلا وقت للقارئ يعطيه له سوى بضع دقائق يقتنصها من ساعات مغامرانه الانترنتية.
ربما يجلس كاتب المقال عاجزا عن حصر أفكاره, وعن زرعها فوق يديه قلادة شرقية أصيلة, فإن من القول ما قتل ومن القول ما أحيا.