يوم بلا كهرباء في غزة

(من يوميات امرأة محاصرة في غزة)

سما حسن

أمس كان يوما اخر بلا كهرباء في غزة، أصبح هذا امرا عاديا ومملا ، اعتدنا عليه أو هو اعتاد علينا، صمتنا ووجومنا أصبح أكثر من عادي،يستيقظ صغاري ولا يتحدثون، فالظلام يعم شقتنا الصغيرة لأن التيار الكهربائي قد قطع منذ الفجر، لا أحد يريد أن يتحدث في موضوع انقطاع الكهرباء، ويمسك كل واحد بكتابه وينزوي في سريره، ليراجع ما حفظه في الليلة الماضية استعدادا للامتحان الذي سيحل موعده في العاشرة صباحا.

أنا الوحيدة التي تبدي تأففها من هذاالوضع، ارتب البيت على عجل، أعلن أمام الجميع أنني سأغادر البيت، وأمنح كل واحد مصروفه اليومي، وأعلن أمام نفسي أنني يجب أن أتغيب خارج البيت لأطول مدة ممكنة، فأنا أرى البيت جحيما بلا كهرباء، الكهرباء هي التي تمنحني الحياة في بيتي الصغير مع صوت التلفاز،وأغنية نجاة المحببة لي " شكل تاني" والتي تنطلق من الحاسوب، وصوت هدير الغسالة،وزنات الثلاجة العتيقة، وطنين مروحة الهواء على نافذة المطبخ، ولكن هذه الحياة حين تتوقف تعني انني يجب ان اغادر البيت، وبالفعل خرجت وأنجزت بعض الأعمال السريعة وعدت مع ساعات الظهر…..

الهدوء كان يعم المكان، والمغص الكلوي كان يعم جسدي بسبب المجهود الذي بذلته دون تعاطي السوائل الكثيرة، قررت ان أفتح (اللاب توب) خاصتي لأطالع بريدى الالكتروني، ولكن حين فتحته وجدت ورقة صغيرة كتبت بخط ركيك هو خط ابني الذي يشبه"خرابيش الجاج":

ماما لاتخافي /اللاب توب مش عطلان بس انا  اخذت بطاريته معي ع الامتحان مشان ماتخلص شحنته ولما ارجع العب عليه……

ضحكت من "زعرنة" ابني كثيرا كثيرا، واستلقيت على  سريري في انتظار رحمة الله الواسعة، لم يكن امامي شيئا أفعله سوى انتظار الكهرباء، وانتظار عودة  الصغار من الامتحانات.

ابنتي الكبرى كانت أول من عاد، وجهها كان مرهقا وسألتها: طمنيني كيف الامتحان.؟؟

ردت باقتضاب : ممتاز يا ماما اطمني …….سهل كتير.

سألتها : شواجاكم موضوع عن العولمة اللي قعدنا طول الليل نحفظ فيه؟

هزت رأسها أسفا، قلت لنفسي : رائع جدا أن نستفيد من أشياء لن نستفيد منها بسرعة…..

عاد ابني الذي اخفى بطارية اللاب توب متقافزا وضاحكا فوق سريري وقال دون أن اسأل: امتحان الرياضيات كان سهل كتير يا ماما……..

رفعت حاجبيّ استغرابا فأردف يشرح…….

انا اول من استلم ورقة الامتحان ، أخرجت الالة الحاسبة من جيب معطفي، وبدأت بسرعة صاروخية أحل المسائل الرياضية التي كتب فوقها : ممنوع استخدام الآلة الحاسبة…….

بمجرد ان انتهى المعلم المراقب من توزيع الأسئلة على باقي الفصل، كنت قد أنهيت حل الأسئلة الصعبة على الآلة، وبدأت أحل الأسئلة التي لا تحتاج لآلة…….

حين صرخ المعلم : ممنوع استخدام الآلة ………يلا كل واحد يطلع الآلة تبعتو ويحطها ع الطاولة.

كنت أ ول من قدم آلته للمعلم وتلاعبت على شفتي ابتسامة شيطانية وقلت بأدب" يعطيك العافية يا مستر

تفضل……………..

ضحكت وقهقهت ونسيت أن لا كهربا

وان لا حصار

وانني في جنة كبيرة اسمها……مغامرات ابني الأسمر الذي يحمل ملامح والده والذي أعتبره فاكهة بيتي السمراء" حبة  تمر" كما أقول له……….

أنه يوم آخر بلا كهرباء ولكنه حقا من الأيام اللذيذة.