هدف لا غاية بعده
هدف لا غاية بعده
محمد محمود كالو
إن الحضارة الإسلامية الكبرى ما برحت تنشر الأريج و المجد في ثنايا التاريخ، حينما تمسكت الأمة بمناسك الإسلام ، منهجاً وسلوكاً ، و نظرية و تطبيقياًُ ،و فهمت الأمة الهدف هو الوسيلة، فكان الهدف هو الله ، و الصراط إلى رضاه هو الاعتصام بآيات كتابه المجيد و سنة نبيه r ، و لم تكن الحياة عند المسلم مادية صِْرفة ، و لا روحانية مطلقة ، بل كانت انسجاماً مع واقع الإنسان ، و توافقاً مع طبيعته و فطرته ، و مزيجاً بين الروح والجسد .
و لما أدرك أعداء الإسلام ذلك ، أدخلوا في الروع القادة و المفكرين و علماء الاقتصاد و السياسة ، أن الرخاء المادي هو هدف المجتمعات الحديثة ، و استطاع قادة الرأي و الفكر أن يحاصروا المسلم من كل جانب ، بهذا الفكر المسموم ، إذا قرأ صحيفة أو مجلة أو أطلع على كتاب ، وجد هذه الفكرة الخبيثة النتنة و العفة تطل برأسها (الرخاء الاقتصادي ، الانتعاش الاقتصادي ، لقمة العيش ،الرفاهية ، الترف ) و قد قال الله تعالى : ] و اتبع اللذين ظلموا ما أترفوا فيه و كانوا مجرمين [ (سورة هود : 116 )
لقد أصبح أحلام الشباب كلها تحوم حول الدخل الكبير ، فكل شاب و فتاة لا يفكر إلا في العائد المادي ، و المرتب الضخم ، و السيارة الفخمة ، و أدوات الحياة الحديثة، والاستمتاع بالمرح و الراحة ، و قضاء الوقت بطريقة مسلية .
و لا أنكر على أحد أهمية العامل المادي في انتظام أمور الحياة ، ولكن أعترض وبشدة على أن يكون الجانب المادي هو كل شيء، و الهدف الذي لا غاية بعده ، عندها ستتحول الدنيا إلى مزرعة مرعبة يتخاطف الناس فيها الثمرات ، أو تصبح غابة مكتظة بالحيوانات المفترسة و الوحوش الضارية ، و تسود شريعة الغاب ، و لا يفوز فيها إلا من أوتي القوة و السطوة .
إن الإسلام دين الوسطية و الاعتدال ، مزيج بين المادة و الروح ، و انسجام و توازن مع الواقع .
أما الحياة المادية الصرفة فإنها تزرع في الفرد الأنانية و الحقد ، و تجنح بالمجتمع إلى دروب الفساد و الرشوة ، و تصيب الناس بجنون الوساطة و المحسوبية ، ثم تجر الأمة إلى الذل و العبودية .