حدثني عن مدينتي
د. عمر عبد العزيز العاني
كتبت هذه الرسالة بعد معركة الفلوجة الأولى وكان الحديث مبتهجًا ببطولات المهمّشين بين سكان المدينة، وما زالت هذه البطولات تعيش مؤامرة الصمت والتجهيل المتعمّد ، ألف مرحى للإيمان الذي تجاوز بأهله الصالحين .. الذين يفعلون ولا يقولون ، والذين لا تنظير لهم ولا هم يسطرون ، أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
============================
الأخ الكريم : مصطفى عياش ... المحترم
السلام عليك في عيد الفطر المبارك
مسح الله الآلام بيمينه الشافية
وددت لو حدثتني كيف صلت مدينة الصمود (1) صلاة العيد ؟؟
هل ما زالت تسبح ضد التيار وبيد واحدة ؟؟
وفي الأخرى ، هل ما زالت تزرع السنابل لتسدّ أفواه الجائعين ؟؟
حدثني عن الفرات ، هل ما زال محتجًّا بصمت بعدما حطموا عليه ألف ناعورة وناعورة ؟؟
كم بقي من رواية الخيل والليل ؟؟
ودّعت المدينة وهي كانت نهمة في قراءتها .. وزرتها خلسة وكانت تقرؤها على وتريات الهمّ الآتي .. كانت تضيف فيها فصولا من حقب الحزن العراقي الطويل
مواكبها الكربلائية كانت تشهد أن الشهيد وليّ الله
كانت قد لقّنت هذا النشيد للمهمّشين
فسمعناه على ألسنة الباعة المتجوّلين :: على ألسنة البقالين
نشيد بائعات الحليب عند شروق الشمس
==========================
حدثني عن ماكنة الطحين في سوق أحمد الكاظم ... دقاتها تشبه دقات قلبي وهو يقترب من دربونتنا
واكتب لي فصولا من الفقه السياسي كما يراه المطيرجية
وعقيدة الحرب كما آمن بها الحمّالون
وسلام المنتصرين كما اختطه صيادو السمك وهم يشربون الشاي في مقهى مولود البكر
والعفو عند المقدرة من حيث كونه أعلى مراتب الأخلاق عند سائقي سيارات الأجرة
=====================
حدثتني الفلوجة أنها بعد رواية الخيل والليل صنعت من هؤلاء حديث الفضائيات ، وجعلت منهم شيئًا مذكورًا بعدما مرّ عليهم حين من الدهر المضاع ولم يكونوا شيئًا مذكورًا .. بل لم يكونوا شيئًا
لقد شغلوا الشمال والجنوب والملأ الأعلى وأتعبوا الملائكة وهم يحسبون لهم الأجر
فيما راحت مجلدات التنظير أوراقًا يشربون عليها شاي العصر عند المفاكهة بحديث العزة وروايات النصر
سلام على المقبرة والنزيزة وطعس نعومي ، سلام على حي الجولان ونجمة وهلالة أم القيمر
سلام على كل المهمّشين الذين لو أقسموا على الله لأبرهم
=======================
أخي مصطفى : فيما أنت تضحك من رسالتي لم تعد عيني تقرأ فصول رواية الخيل والليل
امتلأت بالدموع وفاضت .. وراحت حنجرتي تنشد بنهاونديات غربة أبي فراس الحمداني
( 1 ) يذهب أستاذنا العلامة محمد بهجة الأثري - رحمه الله – إلى أن الفعل صمد يكون مصدره صمدًا لا صمودًا ، والفعل هرب يكون مصدره هربًا لا هروبًا ، وبذلك جاء التنزيل
( وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربًا ) .. الجن / آية 12