يا حكام العرب والمسلمين اتقوا الله في شعوبكم!!

محمد فاروق الإمام

يا حكام العرب والمسلمين

اتقوا الله في شعوبكم!!

محمد فاروق الإمام

[email protected]

(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق).. قرأت هذه الآية مرارت ومرات واستذكرت حال الأمة وما هي فيه من ضياع وجحود ونكران، وهزائم وانكسارات وحروب وفقر وجوع وتخلف، وهذا الجحود والنكران والضياع ينسحب على الحكام والمحكومين، وأولي الأمر والرعية، ولكن!! قد يكون هذا الأمر الجلل الذي تعيشه الأمة المسؤول الأول عنه أولي الأمر ممن بيدهم القرار.. فالناس – كما قيل – على دين ملوكهم.

واستذكرت في هذا المقام العابد الزاهد (الفضيل بن عياض) الذي كان عاصياً فتاب الله عليه، وجعله من عباده المؤمنين، تحول من قاطع طريق يروع الآمنين إلى عابد زاهد، وكان سبب توبته؛ أنه كان يتسلق جدران أحد المنازل بالليل، يريد عشيقة له في ذلك البيت؛ فسمع صوتًا من الداخل يتلو قوله تعالي: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) فلما سمعها قال: بلى يا رب، قد آن...

فرجع فمرَّ على أرض خربة، فوجد بها قوماً، فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم: ننتظر حتى نصبح، فإن الفضيل يقطع علينا الطريق، قال (أي: الفضيل): ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين هاهنا يخافونني!! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع (أي أن الله قدر لي أن آتي إلى هذا المكان لأتوب وأرجع إليه) اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.. لقد جعل مظاهر توبته مجاورته لبيت الله حيث الرحمة والبركة، يدعو الله ويستغفره، ويندم على ما فرط في حقه.

ولازمته الخشية من الله والبكاء، وكان لا يُرى إلا وعيناه تفيض من الدمع، كلما ذكر اسم الله تعالى عنده ظهر عليه الخوف والوجل، وارتعشت كل أعضاء جسده.

وحجَّ الخليفة العباسي هارون الرشيد ذات مرة؛ فسأل أحد أصحابه أن يدله على رجل يسأله؛ فدله على الفضيل، فذهبا إليه، فقابلهما الفضيل وقال للرشيد: إن عمر بن عبد العزيز لما ولِّي الخلافة دعا أناساً من الصالحين فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء (يعني الحكم) فأشيروا علي.. فعدَّ عمر الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فبكى الرشيد، فقال له صاحب الرشيد: أرفق بأمير المؤمنين، فقال الفضيل: تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ؟ (يقصد أن عدم نصحه كقتله) فقال له الرشيد: زدني يرحمك الله..

فأخذ يعظه وينصحه، ثم قال له: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل، وإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من والٍ يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاشٌ لهم إلا حَرَّمَ الله عليه الجنة) فبكى هارون وقال له: أعليك دين أقضيه عنك؟ فقال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، والويل لي إن ناقشني، فالويل لي إن لم ألهم حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد. قال: إن ربي لم يأمرني بهذا؛ أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال الرشيد: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك وتقوَّ بها على عبادة ربك، فقال الفضيل: سبحان الله.. أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلَّمك الله ووفَّقك.

وسأله الخليفة: ما هي صفات المؤمن أيها الزاهد؟ فقال له الفضيل: صفات المؤمن؛ صبر كثير، ونعيم طويل، وعجلة قليلة، وندامة طويلة.

ومرَّ الفضيل بن عياض على جماعة أغنياء، فوجدهم يلعبون ويشربون ويلهون؛ فقال لهم بصوت عال: إن مفتاح الخير كله هو الزهد في الدنيا، وقد سأله أحدهم: وما الزهد في الدنيا ؟ فقال: القناعة والرضا وهما الغنى الحقيقي، فليس الغنى في كثرة المال والعيال، إنما الغنى غنى النفس بالقناعة والرضا في الدنيا، حتى نفوز في الآخرة، ثم توجه إلى الله داعيًا: اللهم زهدنا في الدنيا، فإنه صلاح قلوبنا وأعمالنا وجميع طلباتنا ونجاح حاجتنا.

أما آن لهذه الأمة حكام ومحكومين أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.. ويتقوا الله بما وضع الله من أمانة في أعناقهم.. أن يحسن الأغنياء بما أودع الله في أيديهم من ماله، فلا ينسوا حظ الفقير والسائل والمحروم منه، وأن يحسن الحكام اختيار بطانتهم فيدلونهم على الخير ويمنعونهم من الشر ويصدقونهم القول في حال الرعية ومعاشها، ويكفوا أيدهم عن جلدها ونهبها وإفقارها وتجويعها وتهجيرها وسجنها واعتقالها وتكميم أفواهها ونفيها وظلمها وهم عن كل ذلك في غنى!!