هرطقات التحديث
هرطقات التحديث
محمد السيد
قال تعالى : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " البقرة (217) .
هذا الكتاب يأذن كل حين بجدةٍ ،هي التي بينه وبين الأجيال تعقد الوصال والعشق .وحده للشمس يفتح صفحاته ،ويقول للأنام هلموا ،فعندي الرؤى الناضجة ،والنهارات المبصرة ،كلماتي نسجها الخبير العليم الحكيم ،وبلغها الصادق الأمين ،وحملتها القناديل المضيئة من لدن الصديق وعمر وعثمان وعلي ،وحتى حسن البنا وجمعه ، مروراً بالكرام ؛ الأئمة الأعلام والفاتحين العظام ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،لا يأتيني الباطل من بين يدي ولا من خلفي ،وأمضي في الأنام أضيء لهم الطريق ،وأوضح لهم منعرجات المفسدين : " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا " .
في مشروعه الذي قدمه »يوسكافيشر« وزير خارجية ألمانيا يوم 7/2/2004 م في مؤتمر أوروبي للأمن عقد في مدينة (ميونيخ) الألمانية، جاء القول في أحد بنود المشروع: بتقديم أوروبا وأمريكا ودول المنطقة المساعدة على تحديث منطقتنا، وإيجاد ثقافة مشتركة، وذلك من أجل إنهاء حالة الإرهاب المستوطنة عندنا، وإرساء حالة من الأمن والازدهار فيها.(هكذا)....
وهكذا يدور الكلام عن تحديث الشرق الأوسط يمنة ويسرة وحيثما التفت المراقب أو قرأ أو شاهد أو سمع بشكل مكثف ولاهث وحثيث، بل ومجنون في أكثر الأحوال.. ويلاحظ المتأمل أن كلام التحديث هذا إنما يأتي في سياق الكلام عن الإرهاب، وفي طيات الكلام عن الإسلام والعنف الإسلامي، وهو يشير بذلك إشارة مباشرة إلى أن المقصود بالتحديث هو المعتقدات الإسلامية والقيم الراسخة فيه.. أو بالأحرى كل مكامن القوة التي حفظت وتحفظ لأمتنا مكانتها وهويتها وخصوصيتها من الذوبان والاندثار ومن ثم الضياع والوهن والدخول نهائياً تحت إبط الآخر والنظر إلى الحياة والكون والإنسان بعيون الآخر، والعمل من خلال مناهجه وأهدافه ووسائله (ثقافة مشتركة) بحيث لا يترك لهذه الأمة أي مكان تحت الشمس..!.. إلا المكان الضيق الذي يخفي معالمها داخل دهاليز ما يدعى بالتحديث زوراً وبهتاناً. فالقضية إذن هي عملية غسل دماغ يراد منها أن تمسح ثقافة وهوية الأمة وإحلال ثقافة الآخر مكانها . ولتوضيح الأمر نقول :
1 ـ إن التحديث الذي يدور حوله الكلام والفعل يتلخص بالدعوة الزائفة إلى الحرية، حقوق المرأة، تحديث القيم والمبادئ الإسلامية الكبرى)..الخ ما هنالك من المطلبيات التي ترد دائماً وأبداً على ألسنة المسؤولين الغربيين من أمريكيين وأوروبيين ومن يدندن على وترهم من كتاب دخلوا في مرجل المناهج المغرضة الساخن وانصهروا فيه وهم كثر في هذه الأيام : "وفيكم سماعون لهم " .
2 ـ فماذا تقول الحقائق يا ترى بشأن بنود التحديث تلك..؟
_ أما بشأن الحرية التي يدعون طلبها لتحديث منطقتنا فنقول:
أ ـ أنظروا إلى فلسطين تذبح بأيدي هؤلاء، على وقع مقترحاتهم ومشروعاتهم المتتالية التي تقدم وهدفها بناء الآمال الكاذبة لدى العرب والمسلمين، وإعطاء المهلة تلو المهلة للصهاينة للعمل من أجل تغيير المعالم على الأرض، ومن ثم محاولة إيصال العربي إلى اليأس والاستسلام في نهاية المطاف.
ب ـ فإذا توجهنا تلقاء العراق وجدنا إلى أي مدى تبدو دعوة الحرية التي يطلبون زائفة وغارقة بالدم والدمار والطمع بالثروات ومحاولة فرض الرؤية الثقافية والحياتية الغربيتين على كل الناس في المنطقة، وهي التي يسمونها(التحديث)..!!.
ج ـ فإذا عرجنا على أفغانستان لا يمكن أن نخرج منها قبل أن نقتنع أن الحرية التي ينادون بها إن هي إلا تنصيب توابعهم في سدة الحكم.. ليضمنوا عن طريق تلك التوابع تنفيذ المهمات الصعبة التي لا يمكنهم تنفيذها بأيديهم أي بمعنى آخر (شرعنة) قتلهم ونهبهم وهيمنتهم على شعوب المنطقة..
_ وأما بشأن حقوق المرأة فهم يريدون لها أن تسقط في المستنقع الذي أوقعوا فيه المرأة عندهم، التي بدأت تشعر بمدى التفريط بكرامتها وإنسانيتها حين أفسحَوا لها بالذهاب إلى آخر مدى من آماد الانحلال والسقوط في حمآت الجنس والانفلات من كل قيمة تجعل المرأة إنسانة ذات أهداف وحاملة قيم وبانية أجيال. ومؤسسة أسرة رشيدة.
انظر إليهم كيف تعاملوا مع حق المرأة المسلمة في فرنسا، حيث ضاقوا ذرعاً بواحد من خياراتها، وبدأوا في بلاد أوروبية أخرى يتكلمون بهذا الشأن المؤدي إلى تضييق الأفق أمام حرية المسلمة التي اضطرت لسبب أو لآخر للجوء إلى بلادهم.
كيف يقول شيراك إن لباس المرأة المسلمة مستفز..؟!! ألا يستفزه لباس العري الفاضح الذي يتجول بحرية تامة في شوارع بلاده وحواريها..؟ ذلك العري الذي يضج منه ومن استفزازه كل عاقل: فرنسياً كان أم غيري فرنسي.
أم أن حقوق المرأة التي يدعون هي مجرد (صرعات) يراد للمرأة المسلمة أن تقع في حبائلها الشائكة فلا هي تحصل من خلالها على كرامة، ولا هي تعود إلى ما أمرها به دينها وعقيدتها لتكون ضائعة تائهة تابعة تخرج أجيالاً مثلها..
ـ وأما بشأن: (تحديث القيم والمبادئ الإسلامية) من خلال الانقضاض على المناهج لزرعها بقيم يحاولون من خلالها تخريج أجيال خانعة مخدوعة متخاذلة مائعة ضائعة لا ترد عن نفسها يد لامس..وذلك تحت شعار محاربة فكر الجهاد، وهدم حمية المحافظة على الهوية والخصوصية، والذوبان بعولمة الأمركة القاتلة مدعين أن هذه القيم تنشئ العنف وتفتح بوابات الإرهاب... والأسئلة الملحة التي تطرح هنا..:
ـ هل نحن اليوم أمام ( سايكس بيكو) جديدة.. تحمل اسماً جديداً هو: ((0أمركة كل شيء).. قامت الأولى بشرذمة الأمة إلى كيانات ضعيفة، وتأتي الثانية اليوم على يد أمريكا محاولة نزع كل عناصر القوة والصمود في هذه الأمة..؟!
ـ وهل يحق لمن ملأ العالم حروباً وإرهاباً وقتلاً ودماراً أن يدعي محاربة الإرهاب..؟
ـ هل من أثار حربين عالميتين خلال ثلاثين عاماً قتل خلالهما مالا يقل عن سبعين مليون من البشر من جميع الجنسيات أن ينصب نفسه اليوم ملاحقاً لما يسميه الإرهاب..؟!
ـ وهل يعقل أن من قتل في فيتنام ثلاثة ملايين من الناس الفيتناميين ، في حرب وحشية إرهابية لا قيم فيها ولا أخلاق أن يقوم باتهام أي إنسان على وجه الأرض بأنه إرهابي..؟.. أو أن يقيم الدنيا ولا يقعدها ضد إرهاب مدعى لا يساوي نقطة في بحر إرهابه واعتدائه الوحشي الذي يوجهه إلى كل ناحية من نواحي الأرض.
ـ وكيف يتجرأ أن يتكلم عن حرية الشعوب وحقوقها من شرد شعب فلسطين من أرضه وبلاده وأحل مغتصبين غرباء في مكانه وفوق أرضه، ولا يزال يساند ذلك الإرهاب الصهيوني بكل الوسائل والإمكانات..؟.. كيف يحدث ذلك ويحدث ما هو أشد وأقسى حين يأتي هذا الإرهابي الأمريكي الغاشم ويَصِمُ من يدافع عن حقه وأرضه وكرامته وعرضه وبلده بالإرهابي، ويدعي أن من يُقتل من المغتصبين الصهاينة: بريئون يقتلهم إرهابيون..؟.
ـ وماذا يقول هذا الإرهابي الشارد المتوحش الأمريكي عن احتلاله للعراق واحتلاله لأفغانستان وقتل الناس في البلدين وتدمير البيوت والإمكانات ونهب الثروات..؟
وماذا يسمي هذا العمل..؟ وماذا يسمي قنبلتيه على هيروشيما وناغازاكي هل هما لعبة بريئة مسلية..؟!
وإذن فهذه صور من عمليات التحديث التي يريدونها.. إنها هجمة متوحشة على كل ما هو عالٍ وغالٍ في هذه الأمة.. على المرأة من أجل بوارها تحت مسمى حريتها.. على الإسلام وكل القيم التي تشكل كيان هذه الأمة وأسباب تماسكها وقوتها على الإيمان على الجهاد على الأخلاق على عنصر الشباب الذي فيه المستقبل والبناء المتماسك تحت مسمى التحديث الذي قاله يوسكافيشر وزير خارجية ألمانيا، والذي يدور الكلام عنه في كل وسائل الاتصال، التي يملاً بواباتها أولئك الوكلاء عن الخصم الأصلي.. الذين يدعون أنهم من أبناء جلدتنا...!!..إن في دندنتهم هذه الخراب لهذه الأمة وفيها سماعون لهم فالحذر الحذر .... وهذا هو الرأي والله أعلم .