الأعداء الألداء
نحن والطموحات والعمر
فاطمة الزهراء الناصري
الطموحات الكثيرة والعمر الواحد، الخصمان المغرقان في التذابر والتنافر، يضيق العمر في عناد إذا اتسعت الطموحات، ويفيض عن الحاجة ويبور إذا ضاقت، كأنه يتربص بنا الدوائر! يمضي راكضا مستفزا في الاتجاه المعاكس، إذا أبصرنا نجري خلف الطموحات، ويسير الهوينا متمهلا إذا توقفنا! لا يريد مطاوعتنا أبدا!
قد ننسى أمره لبعض الوقت، وسرعان ما نصعق على وقع أقدامه وهو يسرع الركض مختفيا هناك في الأفق ليغرب مع الشمس، دون أن يشرق في اليوم الموالي مع الشمس، توسلت إليه يوما أن يسعفني لحظة لأني أريد الدراسة بشعبة أخرى، كنت أعرف أنه سيرفض حتما، لكني جاهدته جهادا كبيرا ليشرق في اليوم الموالي حتما مع الشمس!
قلت له يومها بتشف بالغ: لن أشفق لحالك وأنت تجر أذيالك بخطى متعبة، صحيح أن مفاصلك تآكلت، وتجعد جلدك، وتساقط شعرك، لكنك أنت من اختار الهرولة نحو الغروب والركض نحو النهاية، لن يروعني شيء من حالك، تحداني وواصل الجري بجسده المهلهل.
رجوته مرة أخرى أن يتمهل لأني لم أعط بعد للوحة لون، ولم أقرر بعد عنوانا للقصيدة، فرماني بالجشع، وجعلني محط السخرية والشماتة! تجاهل توسلاتي مرة أخرى وواصل الركض!
قلت له في تحد مشوب بالرجاء: اعلم جيدا أيها العنيد أن هرولتك وجريك وحتى قفزاتك، لا شيء منها يمكن أن يفل عزيمتي أو ينال من إصراري، إنك ترمي بنفسك في مزيد من التعب والإعياء والتآكل والتجعد والتساقط، تعلم الصبر على الانتظار، تعلم فن التمتع بالاسترخاء والراحة، حينها سيسعد بك الكثير من البشر.
لكنني عدت وقلت لنفسي: هيهات، هو كما هو؛ ظل استظل به راكب ثم تركه ومضى، لا أقدر على تحديه، لا قوة لي على مجابهة سرعته التي هي من معدنه وطبعه، كما لا قوة لي على التنصل من هذه الطموحات التي أثقلت كاهلي، وأنقضت ظهري، إنه قدري! أن أشكو تسرعه لتعددها بل وتوالدها المستمر!
في النهاية قررت وضع حد لهذا الصراع المدمر ناهرة إياهما معا: أمامكما خياران لا ثالث لهما؛ إما أن تتوقف هي عن التوالد، أو تتوقف أنت عن الهروب، وإلا ستضطرانني للوقوف أنا، وحينها لا خيار لكما إلا الوقوف، ففكرا ولا تزجا بي وبأنفسكما إلى التهلكة! نعم هكذا يتحامل علينا العمر والطموحات معا! فلا يعدو طموحنا في النهاية سوى الحفاظ على وجودنا سالمين، بعد أن نكتشف تواطؤهما على إهلاكنا، فاللهم :"ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنابه"[1]
[1]- سورة البقرة، الآية286.