قضية.. ورأي

خطاب بمرجعية قرآنية للناس كافة

محمد السيد

[email protected]

قال تعالى: »ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً« سورة النساء الآية (174)

كلمات تهمس في آذان العالم بعناوين الخلاص، قدرة ربانية لاتبارى في بلاغة الخطاب، يفوح منه عطر الحرص على الإنسان؛ ذاك الذي يحمل حفيف نسمات البراهين الربانية تبعث بدفق من النور الواقي من السيرة الذاتية لعصر خلطت أوراقه تلك الدمامة المتجلية في جباه الناس، الذين أداروا ظهورهم لهمس الكلمات، حاملة حنو الحضن الدافىء للآيات الفذة التي تتسع لمواطني الأرض في كل مكان.

هاهو النداء يدوي في أرجاء الكون.. يبدد أركان المحدودية، ويقطع على التقوقع وضيق الأفق خلوتهما، ويدخل على الناس جميعاً من الأبواب، مستأذناً بعذب الحروف، وأسمى الأناشيد الإنسانية المهتدية الحية الخالية من القلق المصنوع على عين محن الضياع، متنقلة من صدر إلى صدر، لايهدأ لها حراك، حتى تضم الجميع إلى كنفها، ذاك الذي ترتاح في دياره الضمائر، وتسكن في جنباته النفوس الحائرة.. إذ كان أول الكلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس عند دخوله المدينة المنورة: »أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلوا الأرحام، وصَلّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام«.. وهي جنة الدنيا وجنة الآخرة، يؤدي إليهما خطاب مقدماته تقود إلى مجتمعات الأمان والسلام، والاشتراك العادل في الطعام، والتوجه إلى رب واحد، هو الذي يصنع الأمن والسلام والهدي والنجاة.. وهو (الخطاب) صالح بمقدماته وبنوده أشد الصلاح لعصرنا، هذا الذي تناوشته الشياطين من كل جنباته، فراحت تنفث فيه سمَّ هدم روح الإنسان، وتبعث في جنباته رياح الكراهية، وهرطقات الضلال، وعربدة الأنانية التي تختزنها أقلية محترفة للقتل والتدمير والتسلط والكبر على أبناء آدم، ناشرة من خلالها صنوف الطغيان والغطرسة وهدم العمران وقتل الرحم التي تجمع الناس جميعاً إلى أب واحد وأم واحدة، مغطية كل ذلك الخراب بلافتة مضللة كتب على ظاهرها، إصلاح.. واختزنت في باطنها ذبح الإسلام وحملة الإسلام.. وكل من يمت لهديه ولو ببنت شفة.. لأن ذنبهم الوحيد أنهم همسوا ولكن بإرادة جازمة أن الحياة لاتصلح مع هذا الاحتكار الذي يحمله أولئك الظُلام.. وأن الناس بدأوا يصيخون السمع لمثل هذا النداء المنقذ الذي راحت فاعليته تعمل فوق الساحات ببطء ولكنه حثيث التقدم..

إحدى حركات الإسلام الحديثة متمثلة »بالإخوان المسلمين« أطلقت خطابها المبصر للناس جميعاً، وذلك منذ بدأت العمل على لسان منشئها الباني الإمام »حسن البنا«، ـ منادية بأحرف مضمخة بندى صباحات الإشراق العليلة ـ أنها  تستهدف بالهدى الذي تحمله الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الأمة ثم الناس جميعاً..

تبدأ بالمصريين، ثم تستهدف العرب، ومنهم إلى المسلمين.. ومن ثم لتعرج على الناس جميعاً، منطلقة بكل ذلك من عند النداء الرباني الأكرم: »أيها الناس« نابذة أنانية الفرد والعرق والطائفية، معرضة بقوة عن قصد الهيمنة وفرض الرؤى واستغلال الناس واحتكار الرأي.. بل هي متجهة بجد المؤمن إلى الانقاذ ومجتمعات الأمن والتعايش.

ولتتحقق من كلامي هذا عد إلى كتاب »الرسائل« للباني الشهيد حسن البنا تجد أن كل هذا الذي حدثتك به وأبعد منه شأواً مستحقاً في سطور الكلمات التي نظمها الرباني الشهيد في ذلك السفر الرائع، المبني على خطاب متوازن، تتداعى بنوده إلى صنع إخاء إنساني، يتوضع بناؤه فوق أساس متين مرعي بعين الله ويبدأ من عند:

»ياأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً«، ويسير على هدي: »لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي«، فلست معادياً لك أخي الإنسان بسبب من اعتقادك ورؤيتك، بل إني مؤتلف معك، مساعد لك على تأدية شعائرك، معين لك في شأن حياتك، ولا أطلب منك إلا أن تعاملني بالمثل، لأؤدي ماعلي من واجب يفرضه قول ربي: »وقولوا للناس حسنا«، لأنني أعلم حق العلم أن تلك هي قضيتي.

ـ ويمر في طريقه من عند: »هذا بيان للناس وهدىً وموعظة للمتقين«، ويواصل المشوار بين يدي: »لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو إصلاح بين الناس« فاتحاً أشرعته أمام عيون الساهرين على  الحياة، يبتغون خير الإنسان، هادراً بقوله: »هذا بصائر للناس«.

ـ فأنت ترى أن حب الناس، وبناء رؤاهم المسددة، وفتح الأمل المصفى من شوائب الأحزان لهم، كلها مدخلات الخطاب الإسلامي الإخواني، التي لم تحد عن الطريق يوماً، ولم تتجاذبها زحمة الأمواج العاتية، لتلقيها على الشواطىء عارية.. بل إنها كانت تخرج دوماً من زحمة الصراع حاملة وجع الناس، تضمد جراحهم التي أدمتها مناطحة الصخور الغازية، ذلك لأن هذا الخطاب كان ممتلئاً دوماً بحب الإنسان، وجلب الخير له؛ فهو في الأصل مؤمن بأن الحياة هبة الله، وأنها منحة من روحه، فلا يصلحها ويجعلها مسيرة آمنة إلا نفحات روحه، من خلال كلماته، التي حملها الأمين إلى الأرض، كي تمس تربتها فتتعطر بالرشد والسداد، وكي تغزو قلوب الذين يحملهم الترب، فتشدو طموحاً حياتياً مضمخاً بشذى النجاة..: »هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان«.

ـ ولتحصل على برهان كلامي في توازن خطاب الاخوان الإسلامي، وأنه ميمم دوماً بوجهه باتجاه الإنسان في أوطانهم وفي كل مكان، عُدْ إلى مشروعهم الإصلاحي الذي وضعوه بين أيدي الناس في مصر، وتأمل في الميثاق الوطني الذي عرضوه على الناس في سورية، ولاتنس أن تمعن النظر في الميثاق الذي شاركوا مشاركة فعالة في صياغته اللبنانية، لتجد أن خطاباً إسلامياً نظرياً سلمياً موجهاً للإنسان بصفته وسماته، مسكوناً بحب الخير والصلاح والأمن، يتحرك ويضج في كل تلك الكلمات، ويبقى أن الخطاب العملي الموازي للنظري يأتي محكوماً بالظروف والممكنات والإمكانات، وقد قدم الإخوان في هذا الجانب الكثير المبرور.. وأمامهم متسع من المسافات والوقت ليقدموا الأهم الأعم، وذلك ليؤدوا حق: »لتبيننه للناس« و»إذا حكتم بين الناس أن تحكوا بالعدل«.. وهذا هو الرأي والله أعلم.