الصبر
الصبر
صباح الضامن
خط قوي أقع فيه من طول تفكري فيه
أقع فيه من الخوف على فعله
ومن الخوف على أن أتعجل ثماره
هنا يبدأ المعدن الداخلي بالظهور
فكم مرة عزمنا وتوكلنا وعملنا وعلمنا وأخلصنا وسرنا قدامة وأتى الآن ما هو أهم
فهل استطعنا الصبر لما تعلمنا
وهل استطعناه لما عملنا
وهل استطعناه لما أخلصنا
كأني بك يا صبر واحة كبير نراها امامنا بغناها وهسهسات البلابل فيها وترشش الماء المندفق على جنبيها
جنات على مد بصرنا ولكن
في كل جنة باب كبير يحتاج لفك قفله
وغزل الأرض لعيونك لما تتثنى بجمالها تغريك أن تسهب في حياة فيها تحرمك مما بدأت به وتعطيك مالم يكن في حسبانك فتنخلع عن ذات مقدامة وتأنس ركوعا عليها ليس لمن وهبك إياها
بل ركوع لما فيها
تخلد أرضا كأنك تتواءم مع العيش اللذيذ وتنسى أن تصبر
وما أن تتمرد جاحدة في شح مقيت
وتسلبك حتى ما وهبتك تبدأ بالتخبط
وتدور في فراغات ومتاهات تبحث هنا وهنا لا ترتيب ولا هدأة
لتعود وأنت ترى أنك فرطت فيما بدأت ولم تصبر على ما لم تعط وأخذت قبل أن توهب
إيه يا نفس لما تطلبي ساعة الفقد ممن ليس عنده إلا الفقد
خذي وأشبعي ترهات جوفك ببهرج الحياة فما صبرت لتنالي فقد كان بينك وبين الحب خطوات فلم استعجلت حراما واغتنمت قبلة الموت
هيا يا نفس أما تعلمت أن جزئيات حياتك حلقة متصلة من غيب صنعت فيه ولو أنك علمت ساعة انبثاق الحياة فيك لتعجلت الخروج بلا اكتمال
فويح لمن سابق الفجر ليهرب من صلاة
أو من تناوم عنه ليسمح لموت ضمير
وأي صبر وتصابر إذا لم يتوج بعمل
وأي عمل وإخلاص ألم يكن مزدانا بصبر
هذه هي
تكتب اليوم قصة
تمحوها غدا
وترسم اليوم لوحة
تغرقها غدا
وتخطب في جمع
تلغيه غدا
لأنه اخافوا منها القلم
فجعلوه يتفتت جزافا على أرضها ويصبح هباء كعملها
ولم تصبر على أذى ولم تقاتل دون حق
هذه هي
تتراكض نحو شطآن الحلم
تدعو لحلم
وتقطف لآليء من جزر سابقة بنيت وبقي في الأفق شذاها
فتعطي لكل غاد لؤلؤة
ولكل رائح حلما
وتفسر لهم رؤاهم بسمة
وضحكة
وخطوة آملة
ثم تختفي لأنهم تركوها
وتختفي لأنهم أهملوا لآلئلها
وتختفي لأنها بنفس قصير لم تسطع الركض وراءهم ووراء غيرهم
و لم تصبر على تبدلات النفس ووهن النفس وحرب النفس
وها هي
تصور لنفسها ليلة تخاللها
ليلة بنجوم وقمر
وشمس
وتظن بنفسها قوة فتأتي لذي القوة
تطلب القوة
وتعرج صباحا وتضعف بها زمامات الخيول المنطلقة فتتهالك في حفرتها
تأكل تبنا وتغتذي به فتشرق حسرات
لأنها
تعجلت ولم تصبر الإجابة
ولم تقدم للطلب
وها هي ظنت أن علمها بلغ مبلغ الجبال شما
والبحار لؤلؤا
وانها ملأت حقائب العقول والقلوب بمؤثراتها
فأرخت عنان أقلامها على بيداء أوراقها
ونامت تكتفي بما أعطت
فنشأ نشأ أضاعوا ما سبق
وأحجموا عما لحق
ولغتهم
ناموا عنا فلم نحن نصحو
وكأنك يا نفس لم تصبري على قراءة رسالتك
ونمت لما وصلت نصفها فطارت عنك
لمن يستحقها
لأنك ماصبرت على إتمامها
فكيف يا نفس تعزمين أن تقوي
وترسمين خطا أقوى إلم تصبري
على إيذاء ولأواء وشحناء وضعف وخور
فإن فعلت
فاعزمي وتوكلي وتعلمي وأخلصي واعملي واصبري على ذلك كله
لتنتقلي لخطك الثامن
الذي لن تسيري إلا به
خاشعة مطمئنة