حين تغيب الحقيقة في طيات التزوير

حين تغيب الحقيقة في طيات التزوير

محمد السيد   

قال تعالى : (( يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً .. )) الأنعام _ 112 _

لاستجداء رضا الأمريكي تزف الأعطيات ، وتهمي فوق حطام مدخلاته الرعناء ستائر الخفاء ، ويبتهل بين يديه مستجدو المصطلحات الزائفة وصانعو الشعارات الرنانة بمباهج التنازلات ، تُهدى إليه داخل أصداف استنزاف الكرامة ، وعلى أنغام الاستخذاء المذل المتستر بأردية مهلهلة من صمود مفتعل معتل ، يحمل سيوفاً خشبية مثلمة .

وتمضي الأوطان _ ضحية المستجدين _ تشتعل شواطئها بالحصار ، وتلتهب خطوط حدودها بالمؤامرة من كل لون ، إذ يسكن عقول المتخاذلين هاجس البقاء فوق الكرسي ، حالمين بالخلود الذي لم ولن يحصله أحد من قبل ولا من بعد . وبدلاً من التقدم خطوة عريضة من المواطن بوحي من صحوة ضمير ، تضاء فيها القناديل الخضراء في أعراس التصالح الوطني السوري ، ويُسْرج في ساحاتها زحف الخيل المؤمن ، فاتحاً المكان لنداء الوفاء للأرض والإنسان و ورشات الجِدِّ الذي يبني جدران الصمود أمام الزحف الغادر .. بدلاً من ذلك .. تهبط الممارسة إلى حدِّ إدارة الظهر لكل التقدمات الحرة من الشعب الحرِّ .. تلك التقدمات الفذة التي انحازت إلى صف الوطن والمواطن في لحظات الأزمة ، متجاوزة كل اللحظات المرّة والممارسات اللاإنسانية المتوحشة ، التي ألقت بالوطن والمواطن في أتون جحيم معركة أدارها المتنفذون في سورية على أبواب العقد الثامن وما بعد ، حيث كان شعارهم فيها الحفاظ على الكرسي وليكن بعدي الطوفان ، ولتهدر كل الحقوق ، و ليقطع كل لسان ، ولتكبل كل الأيدي ، وليقصى كل حرّ . وليقتل كل رافع رأس ، ولتحرق الأرض تحت كل حوار . أو عمل سياسي .. فلا يبقى سوى صوت الجلاد ومن يقترب منه بنفاق .. إذ أصبح الشعار الرنان : الأرض لي ولمن قبل بشرطي ..!! هو الزمان والمكان .

وها هو المسؤول السوري _ يقول رغم العقوبات التي فرضها الأمريكي _ سنبقى حريصين على الحوار معهم ..! ومن قبل كان قد قال : مستعدون لتنفيذ كل طلباتهم المعقولة ..!" يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً " ؛ يروضون أنفسهم لقبول أوثان الجلاد الأمريكي ، فيهيئون الأقفاص المثقلة بالذل للدخول فيها من خلال ذلك الفهم الغامض المريض للمعادلة ، مقنعي الرؤوس بجنون فكرة الانحناء للعاصفة ، غير عابئين بالمعادلة الخالدة التي رسخها رب العزة في كتابه الخالد إذ قال جل من قائل : " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا .." فهذه الآية تقول : إن الفتنة كل الفتنة في الهروب من مواجهة الحقائق وليس في تصرف كتصرف النعامات التي تغطي رأسها ، و هي تحسب أنها قد أخفت كل شيء، ونجت من الصيد .

وليتهم تصرفوا مثل هذا التصرف مع أبناء وطنهم الذين يخاطبونهم ليل نهار : أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا

وبينكم ؛ ألا يهدر واحد منّا حق الآخر ، ولا يهمشه أو يقصيه ، وأن تدخل جميعاً في حوار هادف بناء ، ليصل في نهاية الأمر إلى إحقاق الحقوق المهدورة ، وتصحيح الأوضاع المعوجة ، ووضع الناس جميعاً في سورية شركاء في المسؤولية ، شركاء في صنع القرار ، شركاء في بناء الأمة ، شركاء في الآمال والآلام والمصير ، وحينئذ نعلي الصوت قائلين وبالفم الملآن للأمريكي المتوحش : " بل أنتم قوم تفتنون " ، وليس لكم والله عندنا من ردٍ على عجرفتكم وتخرصاتكم و تحرشاتكم بوطننا وإنساننا إلا قول ربنا جل وعلا : " .. ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين " وهذا هو الموقف الذي يختزنه كل السوريين ، فهو قضيتهم وهاجسهم ، لا ينفكون يعملون من أجله ...

_ والذي نفسي بيده _ إنه للقول الحق والتصرف الحق ، " فهل إلى مردٍّ من سبيل ؟.. وهل إلى مراجعة عاقلة حكيمة من وصول ؟ ، "أم  على قلوب أقفالها " ، وعلى عيون غشاواتها ؟ ، فهي تائهة بين غبش الرؤية ، وتعطيل البصيرة ، بحيث يعطى العدو الذي يفرض العقوبة والعدو الذي يحتل الأرض في الجولان الهدنة بعد الهدنة ، والفرصة بعد الفرصة لاستثمار الأرض المحتلة ، هذا فضلاً عن فتح الأبواب لهما بدون حرج ، بل إنه يُبدى الحرص على محاورته والحرص على رضاه وصداقته وحسن الصلة به ، في حين يَمدُّ اللسان من قبل النظام في سورية بشكل غير لائق للمواطن الذي يمدُّ يده للقاء والإخاء والمصافحة .

فما الذي يمكن أن يقوله المواطن في مثل هذه الأحوال ؛ إنها سمات النظام السوري القديم ، ولا جديد إلا في بعض ظلال من أوهام ، تحاول التستر على الملامح القديمة ، ببعض كتابات متواطئة مع الخديعة تمتطي هامات القوافي ، وتسير بنا في دروب القنوط ..!

القنوط .. لا .. أبداً .. "ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " . فنحن بالله ربنا آمنا ، وبه استعنا ، وعليه توكلنا و : "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " ومن ثم بالوطن لذنا ، و بخيراته التي أفاض بها ربنا نعمنا ، ومن تاريخه وتراثه وإيمانه صنعنا ذاكرتنا ، وبعد ذلك بالمواطن وضعنا ثقتنا ، وبعضده دعمنا عضدنا ، وبآماله مزجنا آمالنا ، ولمعاناته وآلامه فتحنا جرحنا . وأحطنا شواطئه بالأمل الزاهي ، وعبأناها بالقوافي الممتطية صهوات مستقبل نضر .. مبتعدين عن وحي بعضهم لبعضٍ زخرف القول غروراً "واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيدٍ " فهم فرحون بما أوتوا من افتراء ومن زور وغرور في القول : "كل حزب بما لديهم فرحون " .. ولن يجدي من جعل همه إرضاء عدو بلده وإغضاب مواطنه ، أي موقف بعد ذلك ، فهو سيعاني العزلة أبداً ، والأمور ستذهب في سيرورتها إلى مآلاتها التي يريدها الله من الفتح على الصابرين المؤمنين ؛ والإغلاق على الذين يتبادلون الإيحاء والافتراء .. "فذرهم وما يفترون "، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ، وهذا هو الرأي .. والله أعلم .