شيخ ..أم دكتور !؟
هيثم الأشقر*
شهِدت الحضارةُ الإسلاميّة ، ازدِهاراً ما زلنا نعيش في كنَفِه ونتائجِه حتىّ اليوم،في العالمَ الغربيّ.وكان لهذه الحضارة خصائِصُها ومصطلَحاتُها، ومفاهيمُها المتناغِمةُ مع منطلقاتِنا العَقَديّة والثقافيّة؛ تلكَ المنطلقاتِ المستَهديَةِ بهَديِ السماءِ ،وأطُرِها العامّةِ التي تَجعل منها خادمةً للفِطرةِ السَويّةِ ،التي خُلقَ الإنسانُ عليها.إلاّ أنّ الانكِسارَ الحضاريّ الذي نَعيش، وحالةَ التبَعيّةِ ..إنّ ذلك كلّه، جعلَنا عالةً على العالمَ ،بَعدَ أن كنّا
سادتَه ،فاستَورَدْنا كلّ شيء، مِن مأكَلٍ ومَشرَب ومَلبس ومَركَب وآلاتٍ صناعيّة.. وحتّى المفاهيمِ والمصطلَحاتِ وطريقةِ التفكير..! ولذلك كان الاحتلالُ العسكريّ ،لبعضِ أجزاءِ الوطنِ الإسلاميّ ،تحصيلَ حاصِل، ونتيجةً مَنطقيّةً للاحتلالِ الاقتصاديّ والقِيمِيّ والفِكريّ..! بلْ إنّ بعضَ الدعاةِ وطلَبةِ العِلم الشَرعيّ، باتوا يفكّرون بأساليبَ غربيّةٍ ،ويَفهمون الأمورَ بحسَبِ إطارِهم الدلاليّ الغربيّ الذي تكَوّن لدَيهم بفعلِ التأثير الإعلاميّ الغربيّ ..! بلْ إنّ كثيراً مِن مدّعي الثقافةِ يَتباهَون برَطانَتهِم ومصطلحاتِهم الغربيّةِ، التي يُقحِمونَها في كلامِهم وكتاباتِهم ،للدلالة على ثقافتهم وعُلوّ كَعبِهم، الأمرُ الذي يؤكّد مَدى الخطَر الذي أصبحنا فيه. بل إنّ بعضَهم لا يجِد مَصدَراً لتاريخنا، إلاّ كتبَ الغربيّين ومَراكزَ معلوماتِهم..! وذلك لِعَجزِنا البيّنِ ،في آلـيّةِ مُحاكاةِ التاريخ والعلومِ ومَوروثِنا الثَقافيّ والحضاريّ، بسبَبِ افتقارنا إلى مراكزِ البحثِ العِلميّ ومَراكزِ المعلومات، وخِدماتِ الكتابِ العَربيّ.. اللهمّ إلاّ مِن جهودٍ متواضعةٍ لا تَرقى إلى مستوى التحدّي ومتطلّباتِ النهوض. إنّ مِن أولويّاتِ المواجَهةِ , واستعادةِ السَيْر ـ في الاتجاهِ الصَحيحِ ـ العَودةَ إلى الكِتابِ والمطالعةِ، والبحثِ العِلميّ، والتفكيرِ المنهجيّ.ومِن الأولويّاتِ أيضاً، وضعُ مَعاييرَ لضَبطِ الجودةِ الفِكريّةِ والدَعَويّةِ والإعلاميّةِ ،والسعيُ إلى إيجادِ المرجِعيّاتِ في شَـتّى المجالات، وضَبطُ الحراكِ العامّ بضوابطَ مستقلّةٍ عن القرارِ السياسيّ والتَجاذُباتِ الجاهليّةِ! لقد قامت حضارتُنا، التي نَعتزّ بها، على ذلك، حتىّ كان هناكَ شَيخٌ (مَرجِعيّة) للِمهَنِ البسيطةِ،مثل: (شَيخ الحلاّقين- شَيخ النجّارين...الخ .
كما يجب علينا ،في هذا الإطار ،تحريرُ الأمّة مِن أسْرِ المصطلَح الأجوَف، سواءٌ أكان مستورَداً أم محلّياً ، إذ أصبحتْ كلمةُ (دكتور)، شهادةَ زُورٍ لكثيرٍ مِن أدعياءِ العِلمِ، سَواءٌ لأنها أصبحت تباعُ وتُشرى، أم لأنّ بعضَ الجامعاتِ تمَنحُها بسهولةٍ ويُسر..! بل إنّ بعضَ العلماءِ والمشايخِ أبدَوا حِرصاً شديداً على حِيازتها، بدَعوى الضَرورةِ ،أو لِظنهم أنها تَمنحُ حاملَها وجاهَةً تُساعده على التأثير في الآخرين... أو.... أو.... إلخ..!
والسؤال هو: لماذا هانَ لفظُ (الشيخ) أو (العالم) وتَقازَمَ ، أمامَ لفظةِ (دكتور)!؟ وهل لذلك علاقةٌ بانتصارِ المصطلَحِ الغَربيّ على الإسلاميّ..!؟
سؤال ملِحّ ، بحاجةٍ إلى إجابة..!
وفي هذا الإطار، أعرفُ شَيخاً مِن أكابرِ العلماءِ، انهالَت عليه بَرقياتُ المباركَةِ واتصالاتُ التَهاني، بحصولِه على رخصةِ (الدكتوراه)، التي نالهَا على بحثٍ لا يساوي 1% ممّا عندَه مِن عِلم..! ولقد عَجِبتُ كثيراً لفعلِه! فهو شَيخ مشهور، ومَقبول لدَى الجماهير، ومؤثّر،ويَحمل لقباً تَفخَر به الحضارةُ الإسلاميّة (شَيخ)..! والسؤال الثاني هو: ما المؤثراتُ التي ألـحّت عليه حتّى سَعَى إلى حَرف (د)!؟
ثمّ :لماذا فَرحَ له الناس...!؟
أعتقدُ أنّ إثارةَ مثلِ هذا الطَرحِ، ستُسهِم في وضع حَدّ، لِفَوضَى المصطلَحِ والقِيَمِ التي نَعيش؛إذ يصبح من الضروري، وضعُ معاييرَ للجَودةِ، لكلّ مسَمّى ؛ يتحدّد على ضَوئها ،مَن يَستحقّ أياً مِن المسمّياتِ ،أو (الوَجاهات..)! وبذلك ينضَبط الإيقاعُ العامّ ،ويستطيع الفردُ في بلادنا،تحديدَ القيمةِ الكامنةِ في كلّ مصطلَح، والتعاملَ الواعي مع المصطلحات ودلالاتها،فلا تَبهره الألقابُ الفخمةُ الرائجةُ، ولا تَخدعه عن نفسه ،الأسماءُ التي ليس لها رصيدٌ حقيقيّ مِن علم ،أو أدب، ينفع الناس..!//
قال تعالى( إنّا عَرضْنا الأمانةَ على السَمواتِ والأرضِ والجبالِ فأبَينَ أنْ يَحْمِلنَها وأشْفَقْنَ مِنْها وحمَلَها الإنسانُ إنّه كانَ ظَلوماً جَهولاً)). الأحزاب/ 72
* أديب سوري يعيش في المنفى