حقيقة غائبة
عبد الرحمن الحياني*
تراه يغذ السير مسرع الخطا ، لا يلوي على شيء ، وإذا ما سألته : ما لي أراك مسرعاً ؟ فإنه سيجيبك أنا على عجلة من أمري ، وأريد قضاء بعض الأمور قبل فوات الأوان .
وتراها مسرعة منهكة القوى مقطوعة الأنفاس ، لاهثة مضطربة ، ولو سألتها : لم أراك مسرعة ؟ إلى أين تريدين ؟ فستجيبك : أريد قضاء أمر هام لا يحتمل التأخير، أريد الوصول قبل فوات الأوان .
وتراه يستقل سيارته يقودها بسرعة جنونية يلعن الزحام ، ويتجاوز الآخرين بطريقة مخالفة لقوانين السير ، وعندما يستوقفه شرطي المرور ليحرر له مخالفة لتجاوز السرعة المحددة ، أو لكسره بعض قواعد السير ، يتعلل له قائلاً :
يا حضرة .. اعذرني فإني على عجلة من أمري ، فعندي موعد في المكان الفلاني، وقد تأخرت عنه ، ولم يكن قصدي الإساءة لأحد ، لقد كان همي الوصول إلى الموعد قبل فوات الأوان .
وتراهم يحثون سائق الحافلة ليغذ السير ، ولو على حساب المخاطرة بأرواح الناس، وحينما يسألهم السائق عند سبب عجلتهم يقولون : نحن متجهون إلى المطار وقد تأخرنا ، ولا بد لنا من لحاق الطائرة التي موعدها الساعة الفلانية ، والتي لم يبق على موعد إقلاعها سوى بضع دقائق ، فنرجو أن توصلنا قبل فوات الأوان .
وتراهن في الصباح الباكر مستاءات لتأخر المركبة عليهن ، يندبن حظهن مع سائقي مركبات الأجرة ، الذين لا يلتزمون بالمواعيد ، وعندما تسألهن عن سبب قلقهن ، يبادرن بالقول : إنهن على عجلة من أمرهن ، ويردن الوصول إلى مكان عملهم قبل فوات الأوان .
وهنا يطرأ سؤال ينتظر الإجابة ألا وهو : ما الجامع بين هذه الحالات الآنفة الذكر ؟
سيكون الجواب على الفور ، هو السرعة للوصول إلى المقاصد قبل فوات الأوان ، ولكنك لو أنعمت النظر قليلاً ، وأعملت الفكر ، فإنك ستجد هذا الجواب من السذاجة بمكان ، وخاصة إذا ما علمت أن الجميع يسرعون مخلفين وراءهم لحظات عمرهم المعدودة المحدودة ، متجهين صوب النهاية المحتومة ، صوب الآخرة ، صوب مصيرهم المحتوم ، إنهم يهربون من أثمن ما يملكون ، ليصلوا إلى ما لا يفكرون فيه في تلك الزحمة والعجلة ، إنها الآخرة ملتقى الجميع ، فالسباق في هذه الدنيا ينتهي بالمتسابقين جميعاً إلى الآخرة .
فيا فوز من وعى الدرس وسعى للهدف الحقيقي ضارباً الصفح عن كل هدف عارض تافه .
* أديب سوري يعيش في المنفى