بين الديموقراطية والشورى
بين الديمقراطية والشورى
محمد سعيد مبيض- الدوحة
الشورى هي استشارة أصحاب الاختصاص وأهل الحل والعقد من عقلاء الأمة وأتقيائها في مسألة تهم الأمة ليستفيد المسؤول من آراء مستشاريه فتتضح له الصورة ويختار الرأي الأقرب للصواب والشورى هي مبدأ إسلامي ملزم لكل مسؤول في مجال عمله إن كان يتقي الله في أمته ويريد الارتقاء بها إلى الأفضل.
والمواضيع التي تطرح للشورى: إما أن تكون مدنية اجتماعية كانتخاب الحاكم والمجالس النيابية والتشريعية وممثلي المهن والنقابات، والانتخاب هو لون من ألوان الشورى يستشار أفراد الشعب في اختيار من يرونه أهلاً لتحمل المسؤولية وهو بذلك أمانة لا يجوز التفريط فيها فمن اختار إنساناً لقرابة أو جاه أو مال أو مصلحة فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين، وهي شهادة لا يجوز عدم الإدلاء بها لكي لا تدع الفرصة لغير الصالحين بالنجاح، والشورى في هذا المجال واضحة المعالم غير أن الطرق إليها متعددة حسب الزمان والمكان والأوضاع كما يتضح من اختيار الخلفاء الراشدين.
وإما أن تكون الشورى في القضايا السياسية والوطنية في الحرب والسلم والتحالفات والمفاوضات، فالشورى في هذه الجوانب ضرورية والرأي فيها جماعي لا فردي يشترك فيه أهل الحل والعقد ومحترفو السياسة والمختصون في القانون الدولي ورجال الفقه السياسي ولا يجوز لإنسان مهما علا شأنه سواء كان حاكماً أو كبير فقهاء أن يدلي فيه برأيه منفرداً بل يطرح الموضوع في مجلس الشورى فيدلي المدعوون بآرائهم ويعتمد الحاكم رأي الأكثرية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يقول: أشيروا عليّ أيها القوم حتى سمع رأي المهاجرين والأوس والخزرج عندها قال لهم: على بركة الله لأن الشعب حين يشارك في صياغة القرار يكون مستعداً لتحمل المسؤولية مع الحاكم.
أما الشورى في القضايا الفقهية التي لا نص عليها من الكتاب والسنة وهذه القضايا تحال إلى مجلس شورى فقهي مختص يدلي فيه الفقهاء باجتهادهم بعد تبادل وجهات النظر يصدرون رأيهم وهذا هو الإجماع الذي يعتبر مصدراً من مصادر التشريع لا اجتهاد ولا شورى في مورد النص وفي الأمور قطعية الثبوت قطعية الدلالة فمن الخطأ أن يطرح بعض جهلة المسلمين في المؤتمرات المشبوهة قضية الطلاق والتعدد وأسهم الإرث ومنح الحرية الجنسية لأن هذه الأمور لا يملك حاكم أو فقيه الحق في تعديلها لأنها سنة الله وليس فوق رأي الله رأي، والمسلمون ملزمون بتطبيقها إن كانوا يحبون الله ورسوله حريصين على كسب رضاه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون.
والديمقراطية هي حكم الشعب وذلك باختيار الحكام ووضع الأنظمة التي ترتضيها أكثرية أعضاء الشعب دون النظر إلى مخالفتها أو موافقتها لشرع الله ذلك لأن أول من نادى بالديمقراطية النصارى وليس في دينهم تشريع يلزمهم باتباعه وهذه مفارقة كبيرة بين نظام الشورى ونظام الديمقراطية ففي الشورى المشرع هو الله وفي الديمقراطية المشرع هو الشعب وشتان بين شرع الله العادل العالم بطبائع النفوس وما يصلحها، وبين حكم الإنسان المعرض للصواب والخطأ.
بالديمقراطية لا تلتزم بالمعاني الإنسانية والمبادئ الأخلاقية بل تعتمد المصلحة الخاصة وإن خالفت الحق والعدل.
ومن السهل أن يضلل قادة أحزاب الأكثرية عناصرهم لضمان تأييدهم.
ولا مانع لديهم من ضرب مصنع أدوية أو مواقع فضائية أو أراض عراقية ما دامت لا تمنح ولاءها للظالمين.
ولا مانع عندهم من مساعدة الروس ضد الشيشان ومساعدتهم بتقديم قرض من البنك الدولي لإبادتهم لأنهم يريدون تحرير أرضهم من المستعمرين الروس وثمن ذلك سكوت روسيا عن التدمير الأمريكي للعراق.
ولا مانع لديهم من التمييز العنصري ما دامت قد ارتضته الأكثرية.
إنهم يمنحون الحرية الجنسية للفتاة متى بلغت سن البلوغ وليس لوالديها حق التدخل في شؤونها مع أنهم يعرفون نتائج تلك الحرية من فساد ولقطاء وايدز وضياع الأخلاق والمُثل ما دامت ترتضيه الأكثرية ففي الوقت الذي نشاهد فيه للديمقراطية وجهاً مشرقاً في منح الحريات نشاهد وجهاً قاتماً في الجوانب الأخرى.