إلى كل من يقول هم رجال ونحن رجال
إلى كل من يقول : هم رجال ونحن رجال
د.مصطفى عبد الرحمن
في العصور القديمة .. في أيام أجدادنا .. كان الطبيب يجاز بممارسة المهنة مباشرة من أستاذه بعد أن يلازمه ردحاً من الزمن.. يتعرف خلالها على الأمراض الشائعة والعلاجات المتداولة.. وحين يطمئن الأستاذ أن مريده أتقن الصنعة وفقه المهنة أجازه.. دون شهادة تحمل عشرين توقيعاً أو ثلاثين ختماً وتمهيراً ..
وتخرج من هذه المدارس الخالية من الهيئات التدريسية والمجامع العلمية والمراجع الموسوعية أطباء فطاحل وعلماء أفذاذ كان منهم : ابن سينا والرازي.. وابن النفيس والفارابي.. وابن رشد والزهراوي .. ألفوا كتباً وخلفوا مراجعاً وتركوا آثاراً لازالت بصماتها واضحة جلية في طبنا هذا الذي نسميه اليوم .. حديثاً.
* * *
أما اليوم .. فقد أصبح للطب مدارس وكليات.. مجامع وجامعات.. تقوم عليها هيئات تدريسية وكوادر تعليمية واخرى استشارية .. وتحوي مكتبات مراجعية وموسوعات علمية وكتباً اكاديمية.. ويخضع فيها الطالب الى تدريبات عملية ثم سريرية وفحوصات نظرية ثم اكلينيكية.. ويطلب منه ان يحفظ عن ظهرقلب.. كل مسببات الامراض وعلاجات الادواء.. وعليه الاينسى التشخيصات التفريقية والتداخلات الدوائية.. ولا بدان يكون حافظا اخر البروتوكولات العلاجية والتجارب المخبرية وكذلك مطلعاً على أهم الافاق العلمية والدراسات المستقبلية .
ولكن..هل سمعتم ان هذه الجامعات خرجت لنا أفذاذا وعلماء.. أوعباقرة وأذكياء؟... أبداً ! !!...
لقد فرخت لنا جماعات من الأطباء الموظفين تبحث عن وظيفة فلاتجدها فتضرب في الأرض شرقاً او غرباً.. وجماعات اخرى من المهنيين تجلس خلف الطاولات الفخمة في المكاتب الفارهة تجيد فن المراسلات والتوقيعات وترؤس المؤتمرات ! ... ولم يحدث حتى الآن أن أهدت هذه الجامعات ـ على كثرتها ـ الأمة ، ثلة من الأفذاذ والمجيدين أوقلة من النوابغ والمكتشفين ولاحتى فرادى من العباقرة والمبدعين ! !! ... أليس هذا عجيباً بل وغريباً.
* * *
من خلال هذا المنبر الأدبي ومن ديار المهجر : أدعو أساتذتي وزملائي القائمين على التعليم الطبي في بلادنا الحبيبة .. أن يعيدوا النظر في شروط القبول في كليات الطب، وأن يقللوا أو يزيدوا من عدد الطلبة الدارسين للطب بحسب الحاجة الحقيقية لكل بلد ..
ثم أن يعاد النظر في اساليب التعليم ومناهج التدريس، بحيث تخرج جامعاتنا لنا افذاذا ومبدعين وعباقرة ومكتشفين وعلماء وبحاثين ..
ولابد أخيرا : من سعي جدي نحو تعريب الطب .. ان هذه المسالة اصبحت والله من الملحات التي لاتقبل المماطلة أو الانتظار.. أمة تعد اليوم قرابة 300 مليون نسمة لازالت تصر على تعليم أبنائها بغير لغتهم الأم دون أي مبرر مقنع ! ...
والعجيب .. أن هناك شراذم متفرقة وكيانات مبعثرة وجماعات متناثرة تتكلم لغات متغايرة اجتمعت من بلاد متباعدة لتبني كياناً على بقعة حبيبة غالية من أرضنا قد لا يزيد تعداده في أكثر الإحصائيات غشاً وخداعاً على عدد سكان أصغر عاصمة من عواصم بلادنا .. ولكن هذا الكيان يدرس الطب بلغتة .. ولغته غير معروفة لا في الشرق ولا في الغرب لا للعامة ولا للخاصة ..
أما نحن.. فمازلنا نصر أن نستورد لغة لتدريس الطب هي غير لغتنا، مع ان لغتنا الحبيبة كانت لغة العلم لقرون عدة .. وهي تشكل اليوم - رغم تخلفنا- واحدة من خمس لغات حية معترف بها رسمياً في الأمم المتحدة .. أليس هذا عجيباً بل وغريباً .