الأسوة الحسنة (1)
الأسوة الحسنة (1)
|
بقلم: عبد الله خليل شبيب |
بما أن التغيير يحتاج إلى تحديد سماته ومواصفاته والكيفية التي يراد المصير إليها والتي تتحمل أيضاً تبعة التغيير.. فقد تحدد ذلك في "الشخصية الإسلامية" التي هي مقصود التغيير وأداته معاً.. فلابد أن يغير المسلمون أنفسهم بأنفسهم أولاً، وهذا يحتاج إلى الرواد..
والقيادات المضحية والعاملة.. ولابد أن يكون التحول في الإنسان موضوع التغيير بإعادة صياغته حسب مواصفات الشخصية الإسلامية المثالية.
وإن أعظم شخصية إسلامية مثالية هي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المثل الأعلى للشخصية الإسلامية، ولابد لتكوين مثل هذه الشخصية التي تغير الواقع الإسلامي السيء.. من بنائها بالمواصفات المحمدية، والاقتداء بمحمد صلى الله عليه وسلم في خلقه، وسنته، ومنهجه، وسلوك أصحابه رضي الله عنهم، الذين رباهم بيديه.. وتتلمذوا عليه.. وكانوا خير من تأسى به عليه الصلاة والسلام.
ولابد لتمام الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم من النظر إلى أمور:
1 – كماله صلى الله عليه وسلم: فهو المعصوم المبرأ من كل عيب كما قال فيه صاحبه وشاعره حسان بن ثابت رضي الله عنه:
خُلقْتَ مبرَّأً من كلّ عيبٍ كأنك قد خُلقتَ كما تشاءُ
ويكفيه عن كل مدح المادحين.. ما مدحه الله تعالى به في كتابه العزيز.. كقوله تعالى له:
(وإنك لعلى خلق عظيم).
2 – بشريته صلى الله عليه وسلم: وذلك حتى لا يغالي المسلمون فيه، كما فعل النصارى في نبيهم:
دعْ ما ادّعَتْهُ النصارى في نبيهم واحكمْ بما شئتَ مدحاً فيه واحتكمِ
وكذلك حتى لا ييأس إنسان من اتباعه والاقتداء به.. فهو ليس ملاكاً، ولكنه نموذج بشري مثالي: (يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) ولكنه مع ذلك سيد البشر كلهم على الإطلاق (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) وهو صفيّ الله تعالى ونبيه، اصطفاه خياراً من خيار من خيار.. فهو ليس كأي بشر.. بل من أنبل وأرقى وأزكى البشر عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
3 – محبته صلى الله عليه وسلم وتقديره: وعلو منزلته صلى الله عليه وسلم عند الله وعند الناس تستوجب التفاني في محبته صلى الله عليه وسلم وتقديره واحترامه.
ولا تجوز مخاطبته، أو الحديث عنه، أو اعتباره كأي إنسان من الناس:
(لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً).
(لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض).
وهذه آيات لا زالت تتلى في كتاب الله.. ولا زالت واجبة المراعاة. فلابد من احترامه صلى الله عليه وسلم وتقديره –حياً وميتاً- ويقتضي ذلك احترام سنته واتباعها ومحبة آل بيته وتقديرهم:
(قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً).
وقد فرض الله محبته وجعلها شرطاً لكمال الإيمان، وجعل تركها فسقاً يبوء صاحبه بالخسران.
4 – تعظيم أصحابه صلى الله عليه وسلم له: لاشك أن العظيم يتواضع، ولا يدعي العظمة ادعاء ولا يدعو الناس إلى تعظيمه.. لكن شخصيته بذاتها تفرض احترامه على الناس.
وليس هناك شخصية في التاريخ فرضت احترامها على معاصريها، كشخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. فقد فرض احترامه حتى على المشركين، فقال أبو سفيان حين روجع في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من بنته أم حبيبة: (هذا الفحل لا يقرع أنفه).
وأدى أبو جهل دين الأعرابي، مرغماً حين وسط هذا النبي صلى الله عليه وسلم لاقتضاء دينه من عدو الله أبي جهل.. وغير هذا كثير..
أما أصحابه.. فحدث ولا حرج.. لقد كانوا يتسابقون إلى وضوئه إذا توضأ يتبركون به ويتمسحون حتى لا تكاد قطرة منه تقع على الأرض، وإذا حلق كانوا يتسابقون إلى شعره الشريف.. والسعيد من احتفظ بشعرات من شعره.
وهكذا.. وقد جمعت أمُّ أيمن عرقه صلى الله عليه وسلم وخلطته مع الطيب، وامتص عبد الله بن الزبير الدم من جراحه وبلعه، إلخ..
وقد قارن بعض من شاهد ملوك ذلك العصر وعلاقة أتباعهم بهم، قارن بينهم وبين معاملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له.. فقال:
(فما رأيت أحداً يعظمه أصحابه كما يعظّم أصحابُ محمد محمداً) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الهداة المهتدين..
حتى تُربتُه صلى الله عليه وسلم تبركوا بها.. ألا يكفي قول أصدق الناس بعده: فلذة كبده فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها:
ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ ألاّ يشم مدى الزمان غواليا
فداك نفسي وأبي وأمي يا رسول الله، عليك السلام كما كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يخاطبونه! ألم يقل حسان"
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء؟
5 – الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه: أو ليست أعمالهم تلك وأقوالهم على مسمع ومرأى من النبي صلى الله عليه وسلم، أوليسوا الجيل الأمثل الذي رباه.. والذي يجب أن نقتدي بسلوكه وجهاده ومحبته للرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته له واحترامه إياه:
وقد أثر عن الصحابة مثل ذلك الكثير..
أما التابعون ومَنْ بعدهم.. فحّدثْ ولا حرج.. في
محبة كثيرين منهم للنبي صلى الله عليه وسلم واحترام ذكره وحديثه وزيارة روضته
الشريفة والتأدب معه كما لو كان حياً.
يكفي أن مالك بن أنس إمام دار الهجرة رضي الله عنه.. كان لا يركب دابة في المدينة
حتى لا يعلو على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وقيل كان لا يلبس نعلاً في حرم
المدينة احتراماً لأرض وطئها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا ذُكر النبي
صلى الله عليه وسلم أو إذا أراد أن يقرأ حديثه توضأ وجلس باحترام وأدب كأنه في
حضرته صلى الله عليه وسلم.
6 – تلازم المحبة والاتباع: ولاشك أنه بقدر محبة الإنسان لآخر، واحترامه له.. يكون استعداده لطاعته واتباعه والتضحية في سبيل ذلك.. فقد قيل (إن المحبَّ لمن يحب مطيع).
وهذا واضح جليّ.. وأوضح ما تراه في سبيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يبادرون إلى الكلمة منه والإشارة.. ويتسابقون لإرضائه صلى الله عليه وسلم.. ويفدونه بأنفسهم عملاً وقولاً.. كما أحاطوا به في أُحد وقتل دونه سبعة، وكما كان أبو بكر يفديه في الغار.. وخلال سفر الهجرة.. إذ يمشي أمامه حيناً خوف الرصد.. فإذا ذكر الطلب مشى خلفه.. لتكون ضربة سيف العدو، لو كانت فيه أولاً أي في أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.. وكما نام علي رضي الله عنه في فراشه مضحياً بنفسه وهو يعلم أن المشركين المطوقين للبيت، سيصبحون ويبتدرون صاحب الفراش بسيوفهم.
هؤلاء هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وهذه هي محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتقديرهم له وطاعتهم وتفانيهم بين يديه.
فهل نحن على هذا المستوى؟ أو هل نحن مستعدون لنكون كذلك!.. إنْ كان ذلك فقد قرب الفرج، وحق النصر وآن أوان التغيير.
(ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا).