في دائرة الوعي

في دائرة الوعي

بقلم:صالح البوريني

الذاكرة المشاغبة

إن حراك الحياة المتواصل وتفاعل الأمة مع متغيرات العالم وحالة الإفلاس التي خيمت عليها ؛ كل ذلك مهد لمرحلة من البلورة في أواخر القرن الماضي تجسدت في مخرجات الصحوة الإسلامية بدأت الأمة على ضوئها تتلمس طريقها عمليا  إلى المنابع الأصيلة وتتجه نحو المرجعية المعصومة ذات الأرضية الثابتة والاتجاه الواضح ، وبدأت ذاكرة الأجيال الصاعدة تستقبل عمليات البناء المعرفي المؤسس على قواعد القرآن والسنة وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وسير علماء الأمة الأفذاذ ورجالاتها العظماء وقادتها الذين صنعوا التاريخ .. وبدأت مرحلة وعي الذات وإدراك أهداف أعداء الأمة ، وباتت ذاكرة الجيل تختزن قاعدة من الثوابت والقناعات التي تغذي عقيدة الولاء والبراء وتعزز مشاعر الحب والانتماء وتـنظر إلى الفكر الغريب والثـقافة الدخيلة نظرة الشك والارتياب ، وارتكز في عمق هذه الذاكرة رفض أي وجود استعماري بأي شكل من الأشكال ، وفي مقدمة كل هذا المرفوض الاحتلال الصهيوني لفلسطين ؛ حتى بدت خطوط وملامح ثقافة الصحوة الإسلامية هذه تظهر بوضوح على صفحة ذاكرة الأجيال الجديدة  ؛ الأمر الذي أقلق راسمي سياسة الاحتواء والاستلاب والصهـينة والأمركة إذ اعتبروا أن الذاكرة التي تختزن فكرة  كره نموذجهم ورفض هيمنتهم ستدفع حتما باتجاه رفض سلامهم المشروط ومقاومة احتلالهم الآثم .

 فتوجهت همتهم إلى معالجة هذه الذاكرة المشاغبة ؛ نعم .. إن ذاكرة  تختزن رسوخ عقيدة التوحيد وقداسة القرآن وطهارة السنة واحترام تاريخ الأمة وحب سيرة نبيها الكريم عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه وبطولات الفتح الإسلامي لهي ـ في نظرهم ـ ذاكرة مشاغبة تحتاج إلى قلم الرقيب ومقص المصمم وعصا التهجين ومبضع الجراح .

 إن المطلوب هو إخراج جيل منسلخ عن ثقافته وتاريخه وتراثه ، جيل يتقبل وجود إسرائيل فكرة ودولة وحضارة ، وينظر إليها نظرة تـفهم واحترام . ولن يتحقق ذلك مع وجود ذاكرة مشاغبة  تختزن  ثقافة رافضة للاستيطان الصهيوني والهيمنة الأمريكية وتغذي روافد المقاومة والاستقلال والتميز  .

 إن أعداءنا يسهرون ويجهدون لتحقيق أهدافهم ، وقد ساروا خطوات متـقدمة لاختراق جدار الذاكرة المحصنة بما أعدوه من عمليات تعديل على مناهج التعليم  في بلاد العرب والمسلميـن ، وقد تجاوزوا مرحلة عرضها على دولنـا والتشاور عليها مع وزارات التعليـم في بلادنا ، وهم ماضون في طريقهم  ،  ونحن مرابطون في خنادقـنا القديمة الواهنة ،  فهل ينجحون في محاصرة ذاكرة أجيالنا وتقطيع أسباب اتصالها بأصولنا الدينية وجذورنا الثقافية ؟!! إن جواب هذا السؤال متحقق في موقفنا من قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين )) [ آل عمران : 100 ] .