سَلاماً .. يا أطهرَ الرجال

خواطر نازفة (1)

سَلاماً .. يا أطهرَ الرجال

بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

أيها الماضون في طريق الله، الثابتون على الحق أبداً .. لا تتزحزحون!.. أيها الليوث الذين تَشُقّون دربَ الحرية، وتجترحون النورَ من دُجى الظُلُمَات!..

يا مَن وقفتم وِقفة العِزّ شامخين بوجه الظلم والطغيان، تحملون إسلامَكم في أفئدتكم، وقرآنَكُم في قلوبكم، ونَارَكُم في صدوركم!..

يا مَن لا تُبَالونَ بأشواكٍ أو مِحَن، فتقدّمتم الصفوف تَحمون الثغور، وليس أمامكم إلا الجنة أو النصر!.. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:142).

أنتم الأمّة .. التي تحمل عِبْءَ أمّةٍ تمتدّ من المحيط إلى المحيط!.. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:120) .

أيها الأحرار، الذين لم يرضوا بالذلّ أو بالعبودية .. يا مَن تعرفون أنّ الدنيا دار امتحانٍ وابتلاء، وأنّ المؤمن الحرّ عليه أن يجتاز هذا الامتحان بنجاحٍ وإيمانٍ، واحتسبتم ذلك عند بارئكم!..

سلاماً .. أيها المؤمنون، الذين تَحَدَّيتم جَوْرَ أميركة، التي تهاوَتْ لِذِكْرِها عروشٌ زائفة .. وما رفَّ لكم جفن .. تَمْلؤون الدنيا بالحُبّ والحرب : حُبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحرب مَن تجاوزوا حدود الله، وزرعوا الشرّ والقهر والظلم في كلّ مكان .. وتُحَلِّقون بقلوبكم المؤمنة فوق السحاب، وترفعون إسلامكم نوراً إلى الناس، وناراً تلفح الجبابرة، الذين كشفتم زيفهم وسرابهم وخداعهم وكفرهم وظلامهم وضآلتهم وشذوذهم!..

يا مشاعل النور والضياء، الذين افتديتم أمّةً، ولقّنتم العدوّ دروساً ودروساً .. تبشّرون بالفجر الجديد القادم!.. (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69) .

أيها القابِضونَ على الجمر، صقوراً جاثمةً على صدور الطغاة والشياطين، الذين يزعمون أنّ الغدر بكم، أو القبض عليكم في سُوحِ الجهاد .. سيُنهي وَجَلَهُم ورُعبَهم وذُعرَهم .. فإذا آلامٌ جديدةٌ يتجرّعونها بِأَسْرِ بعضكُم، فَيَحارُ المرء في تمييز الأسير الحقيقيّ : هل هو أنتم أم جلاّدكم !..(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151) .

يزعمون أنهم سيثنون شموخَكم، وسيحجبون أنوارَ عِزِّكم .. ولا يعلمون أنّ عِزَّكم يكمن في ثنايا إسلامكم الذي بين ضلوعكم، وأنكم تعيشون منهجَ الله عز وجل بكل تفاصيله، وأنكم حين اخترتم طريقكم، غرستم في عقولكم أنّ كلَّ جَلَلٍ في سبيل الله هيّن، وكلَّ عذابٍ في سبيل رِفعة هذا الدين وعزّته بسيط يُحتَمَل، وأنكم اشتريتم الآخرة بالدنيا، والجنة بالنفس تُضَحّون بها ولا تخافون لومة لائم، ولا تهابون غطرسة جبّارٍ متكبّر!..

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) .

ألا يكفيكم عِزّاً أنكم وَثَبْتُم حين طأطأت الرؤوس؟!.. واشْرَأَبّت أعناقكم حين أذعنت الرِّقاب؟!.. وانْتَصَبَتْ قاماتُكم حين رَكَعَتْ القامات؟!.. وَسَمَتْ جباهكم حين عُفِّرَت الجباه بالذلّ والعار؟!.. وصبرتم وصابرتم حين تَهَاوَتْ العزائم؟!.. وطاعنتم العدوّ وطعنتموه حين تكسّرت السيوف؟!.. وقد امتثلتم في ذلك كله لقول الله عز وجل : (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (هود:115) .

ألا يكفيكم كرامةً، أنكم تقدّمتم الصفوف في زمن الذلّ والخذلان؟!.. وحلّقتم عالياً في السماء يوم امتلأت السراديب بالخائفين المهزومين المنهزمين؟!.. ورَضيتم أن تكونوا شهداءَ على الناس، واعتصمتم بحبل الله المتين، ليكونَ مَولاكُم، وناصِركم .. ومَن ينصركم غير الله سبحانه وتعالى؟!..

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78) .

مَنْذا الذي لا يُفسح لكم مكاناً بين ضلوعه، ويُسكنكم في قلبه المنكوب المتصدّع؟!..

يا مَن حفّزتم الطُهرَ في الأفئدة المؤمنة، والدمعَ في المُقَلِ التي ذابت، بعد أن ذابت بحبّكم القلوب الخاشعة!.. أَنَبْكِيكُم .. أم نبكي هذه الأمّة التي كَبَتْ وطالت كَبْوَتها؟!.. أنحزن لكم .. أم نحزن لِحَالِنا التي إليها صِرنا؟!.. أنتألّم لأَسْرِكُم واستشهادكم .. أم لأمّةٍ أسيرةٍ مكبّلةٍ بالذلّ والضعف والاستكانة؟!..

وا حَرَّ قلبي أيها الأحباب .. وا جَمْرَ صدري الذي ينادي : وا ثأراه!.. ويصرخ : وا إسلاماه!.. وا عزّةَ أمّةٍ دفنت رأسها في رمال الخزي والعار!.. وا كرامةَ شعوبٍ وَأَدَت نفسها في ثرى الخذلان!..

سلاماً .. أيها المقاوِمون، وما نملك السلام!..

سلاماً .. يا مَن لا ينال الضيق منكم .. وفيكم عروق تنبض بذكر الله!..

سلاماً .. لكم، من لظى أدعياء الحرية وحقوق الإنسان، وتجار المبادئ الخادعة!..

سلاماً .. بالله عَلَوْتُم، وبه سَمَوْتُم، وبالذِّكْر الحكيم أَنِستُم، وبالأجر العظيم فزتُم!..

(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10) .

 

سلاماً .. لكم العُلا والجنّة والأجر الجزيل، ولأعدائكم الخَسَار والعار والشنار، والسقوط وسوء العاقبة، وسَقَرْ، وعذاب العزيز الجبّار!..

(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) (مريم:72) .. ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52) .

سلاماً .. لكم العزّة والرِّفعة، ولعدوّكم البؤس والغيظ!..

سلاماً .. أيها الفوارس، وأنتم تَغُذّونَ السيرَ إلى الخلود والسعادة الإلهية السرمديّة!..

سلاماً .. أيها الفائزون برضى الله عز وجل، والمخلَّدون بأحرفٍ من نور .. فيما سيخلَّد جلاّدوكم بما يليق بالظالمين الجناة الآثمين!.. ثم يُرَدّونَ إلى عالِمِ الغيب والشهادة، فيذوقون الخسران المبين!..

(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ) (الشورى:45) .

ألا أيها الرّان على القلوب الغافلة متى تنجلي؟!.. ألا أيها الدخان الأسود الذي يملأ الآفاقَ متى تنقشع؟!.. ألا أيها القهر أما آنَ أوان الظالمين؟!.. ألا أيتها القلوب الميتة أما آنَ أوان العنفوان؟!.. أما آنَ لأمّةٍ عظيمةٍ .. أما آنَ لنا .. أن نطردَ هذا الهوان؟!..

هي درب الـهُداة الأُباة .. وهذا عزاؤنا، وهو طريقٌ مُفْعَمٌ بالشوك والزقّوم والعلقم .. والصبر والأسى والـمَنُون!.. هي درب الله يرعاها ويحفظها .. وهذا رجاؤنا!.. هي درب كلّ حُرٍ يسير إلى دار  الخلود .. بثباتٍ ويقين!.. (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31) .

أيها المجاهِدون .. أيها المقاوِمون .. أيها الجبال الشُمّ، الذين تُسَدُّ بهم الثغور، ويُتَّقى بهم المكارِه، ويحملون هَمَّ دِينهم وكَرْبَ أمّتهم على ظهورهم التي لا تلين .. نحسبكم من الذين يكونون أول مَن يدخل الجنّة من خَلْقِ الله، ومن أول الذين يستحقّونَ تحية الملائكة الكرام .. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشّركم، حين يصف المؤمنين المجاهدين -ونحسبكم منهم- فيقول : (هل تدرونَ أول مَن يدخل الجنة من خَلْقِ الله؟.. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أول مَن يدخل الجنة من خَلْقِ الله: الفقراء والمهاجرون، الذين تُسَدُّ بهم الثغور، ويُتَّقى بهم المكارِه، ويموت أحدهم وحاجته في صَدْرِهِ لا يستطيعُ لها قضاءً .. فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيُّوهم، فتقول الملائكة: نحن سكّان سمائكَ وخِيرَتُكَ من خَلْقِكَ، أفتأمُرُنا أن نأتيَ هؤلاءِ فنسلِّمَ عليهم؟!.. قال: إنهم كانوا عباداً يعبدونني لا يشركونَ بي شيئاً، وتُسَدُّ بهم الثغور، ويُتَّقى بهم المكارِه، ويموت أحدهم وحاجته في صَدرِهِ لا يستطيع لها قضاءً، قال: فتأتيهم الملائكة عندَ ذلك، فيدخلون عليهم من كلّ باب: سلامٌ عليكم بما صبرتم، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّار) (رواه مسلم وأحمد والدارمي). 

نرجو العزيز القدير، أن تكون هذه حالكم وحالنا يوم القيامة، وندعوه عز وجل أن يجعل جهنّم مثوىً لجلاّديكم وظالميكم، ولكل جبارٍ في الأرض!.. (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (الأعراف:41) .