من سِماتِ الحبيبة "اللاذقيّة"

من سِماتِ الحبيبة "اللاذقيّة"

مصطفى حمزة

[email protected]

( اغتربْ تتجدّدْ ) مقولة قديمة ، لي عليها تحفّظ . فهي تعني – ضمناً – أنّ من يغترب يسلخ عنه قديمَه ، ويلبس جديداً ! وهذا غير صحيح ألبتّة .. لا يُمكن إلاّ لأفعى أن تنسلخ ، فتجدد جلدَها ! أما الإنسان فقديمه جزءٌ منه ، من نفسه ، من أنسجته ، لا يُمكن أن يطرحه بالاغتراب  ولا بغير الاغتراب . أعتقد لو قالوا : ( اغترب تزدَدْ ) لكانوا على صدق وحقّ ، فالغربة – وبحقّ– تزيد معرفةَ الإنسان وخبرته الحياتيّة ، وتوسّع أفقه ، وتجعله يرى نماذجَ بشريّة وإنسانيّة ما كان له أن يراها لو بقي في بلده و لم يُغادره .

لقد كتب الله لي – وللفقر فضلٌ كبيرٌ في ذلك – أن أغرّب ( إلى ليبيا ) أبحثُ عن رزقي وأسعى إليه  ، فعدتُ مديوناً ! ولم أكن أدري أنّه ههنا في الشرق ( في الخليج ) .. سبحان الله !

لقد سمعتُ من اللهجات العربيّة الكثيرَ ورأيتُ من العادات الاجتماعيّة الغريبَ والطريفَ  وأكلتُ من المآكلِ أنواعاً لا تُعدّ ! ومن ثَمّ عرفتُ ما لِمدينتي الحبيبة من سِماتٍ مميّزة وعلاماتٍ فارقة لم أكن أعرفها ، أنا الذي عِشْتُ في حضنها أكثرَ من ثلاثين سنة أتأمّلها وأمعن في تقاسيم وجهها ..

  علمتُ أن لهجة اللاذقيّة تمتاز بالرقّة والحنان والتدليل للمسمّى ؟ كل اللهجات فيها فتحة وضمة وكسرة فقط ، أما لهجة اللاذقية ففيها – إضافة إلى ذلك – الإمالة .. وهي حركة بينَ الفتحة والكسرة ، تُعطي اللفظة رقّة وتحبباً مميّزاً . مثال على ذلك الكلمات التالية وهي شواهد فقط : ( زاروبة – مِنْشِيّة – شُوكة .. عصرونيّة – مِيلانة الخ ) فحركة الباء والياء والكاف والنون ليست الكسر بل الإمالة كلفظ حرف a بالإنكليزيّة . وحتى تستشعرون الرقّة التي أتحدث عنها حاولوا لفظ هذه الحروف التي أشرتُ إليها بالكسر أو بالفتح ، ولاحظوا الفرق .

وكذلك مما يُعطي لهجـة أهـل اللاذقيـة تلـك الرقّـة و ( الحنّيّة ) التصغيـر ( مع الإمالـة ) ، مثـل ( شْميسة – جْنينِة – سْميكِة – حْبيبلاسْ ..الخ ) .

وعلمتُ أنّ من المآكل التي انفردت بطريقتها اللاذقية : ( الصفايح ) فهي تُحضّر في اللاذقيّة بطريقة تختلف عن البلاد الأخرى ، حتى المدن السورية الأخرى ، فأهل اللاذقية يرققون العجينة جداً ويدوّرونها ويكبّرونها ، والحشوة من لحم الغنم الناعم جداً مخلوطاً بالخُضار .. وغيرهم يسمك العجين ويصغره ، ويجعله بَيْضِيّاً ، واللحم من غير خُضار ، أو متبّل بدبس الرمان .. وقد يكون من غير لحم الغنم .

ومن الحلويات : الجزرية ، واللوزينا ، والجوزيّة ، لم أجد أحداً يعرفها إلاّ في اللاذقية .

أما ( الكنافة ) فلا أحد يُحضّرها كما يُحضّرها أهل اللاذقية وأهل جبلة أيضاً : طبقتان من الكنافة بينهما طبقة سميكة من الجبنة الحلوة ، تُشوى بالسمن الجيّد على نارٍ هادئة وبأيدٍ صَناع حتى تخرج شقراء على الوجهين ... عطشى للقطر .. لم أر مَنْ يُحضّرها هكذا أبداً .. الكنافة التي يعرفها الآخرون ويتلذذون بأكلها ، صدّقوني لا تُباع عندنا في اللاذقيّة ، لأنّها لا تجدُ مَنْ يشتريها ! طبقة رقيقة من الجبن المالح ، أو من القشطة ، فوقها طبقة رقيقة من الكنافة الملوّنة بالصباغ الأصفر ..

وعلمتُ أنّ البطيخ الأخضر الذي يٍُسمى في اللاذقية ( جَبَس ) لا يُسمّيه بهذا إلا أهل اللاذقية .. فهو في الداخل ( بطيخ أخضر ) ، وفي ليبيا ( دَلاّع ) وفي الإمارات ( يِحْ ) ..

وهناك تسميات أخرى كثيرة .. إذا بدأت بذكرها طال الكلام وامتدّ ..

تلك بعضُ سِمات مدينتي الحبيبة " اللاذقيّة " لم ألمحها فيها .. إلاّ وأنا بعيدٌ عنها ، مُشتاقٌ إليها !