ولا يزالون مختلفين
ولا يزالون مختلفين
فاطمة عبد المقصود
لم يخل وجه الأرض يوما من محبى الخير ودعاة الإصلاح الذين يدعون الناس إلى الوقوف معهم صفا من أجل سعادة البشرية وصلاح حالها، ومع أن دعاة الخير فى زماننا كثر إلا أنك لا تجد أحدا لم يختلف عليه الناس إلا فيما ندر، فمن أفراد إلى جماعات و مؤسسات وهيئات بل إلى أحزاب ودول، كلهم يزعم أنه على صواب وأنه متبع للحق وأنه يدعو إلى خير، ويعمل لصلاح حال الأمة والبشرية من بعدها،
وقد يهاجم البعض البعض الآخر وقد ينأى آخرين تاركين من أعمالهم ما يدل عليهم وحتى هؤلاء يختلف الناس فى تقييم أعمالهم وهل يراد بها الشهرة والصفقات المربحة أم حقا يبغون بها وجه الله...
وفى غمرة تلك الاختلافات الواسعة وفى لحظة من لحظات التيه الفكرى تمنيت لو ينكشف لى الغيب لأعلم من عند الله هو الأصوب ومن صاحب الجزاء الأوفى عند خالقه ومليكه ولكننى وفى نفس اللحظة تدافعت على مسامعى كلمات الحق: " ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" " إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون"
وصار واضحا أمام ذهنى أن اختلاف الناس سنة قضتها حكمة الله وعلمه بخلقه، وبدأت أفهم أن لذلك الأمر غايات وحكم تتطلب منا الوقوف أمامها لكى نسعد بها ونحسن التعامل معها، ومن ذلك أننى شعرت أن سنة الاختلاف تظهر جلية قدرة الله فى خلق أفهام مختلفة ونفسيات مغايرة لبعضها وقد يكون الاختلاف بينها حد الاختلاف بين السماء والأرض.
واختلاف هؤلاء الدعاة ومريدى الإصلاح اختبار وابتلاء ليبذل كل مؤمن محب من عقله وفكره وجهده ما يبقيه على الطريق الصحيح وما يجعله يختار النهج الأمثل أوالأقرب إلى الغاية.
وليعلم هذا السالك أيضا أن اختياره هو خطوة على طريق تربية نفسه وتهذيبها، إذ هو مع هذا الاختيار مطلوب منه أن يتكامل مع المناهج والأساليب الأخرى التى تهدف إلى نفس الغاية وتسعى إلى ذات الهدف وهو إصلاح البشرية وألا ينظر إليها نظرة استعلاء وتحقير، بل يراها داعمة له ورفيقة على درب لا يصبر عليه الكثيرون.
ولعل هذا الاختلاف بين العاملين ودعاة الخير يفيد كثيرا أيضا إذا اختار أحدنا الأخذ بأفضل ما عند الجميع، فينتقى أطايب الثمر من تلك الأشجار المثمرة ويهديها للناس فنكون قد فعلنا الخير للدعاة وللناس كذلك بدل أن نظل كثيرا نرقب عورات هذا وذاك وننقب عن السىء هنا وهناك أو نحزن لأجل هذا الحال دون فعل شىء ذا قيمة ، وقد علمنا أن الجميع يخطىء مادام بشرا، أفلا نرحم ضعفنا وبشريتنا ونقبل بالجيد ونلقى بالردىء؟..
لسنا نأمل انتهاء الخلافات لأننا قد علمنا أنها من سنن الحياة ولكننا نأمل فهم هذه الاختلافات وتخطيها لتكون جسرا يعبر بنا إلى إصلاح الأرض وتعميرها بالخير..
نأمل ألا يكون همنا هو إظهار خلافاتنا ومعاركنا التى لن تفيد العموم شيئا، بل يكون همنا هو تقديم ما ينفع الناس ويصلحهم ويحببهم فى سلوك طريق الخير واتباع الحق الدى أنزله الله.