بربري في لبنان
بربري في لبنان
ضحى عبد الرؤوف المل
وردة الضحى
هاتفني قائلا :" جدي جلجامش وأنا في بيروت
قلت :"جدتي أليسار وأنا في طرابلس...
إن لم تكن أليسار تعرف معنى الحُب الخالد ،وهي مَن رمت بنفسها
في النار لتكون وفية لِمن عشقت وأحبت ولِتكون مملكتها عنوان
تضحيتها وهي تضحية ملكة قد جعلت مِن الحُب مملكة كنعانية أبعد من
حُدود الموت وأبعد من حدود الحُب الحَي الخالد....
مملكة حُب صادق لم تكن لِبربري أبدا !!...
وهي قَد رمت بنفسها في النار لِتطهر شعبها من أطماع مَلك غرَّه جمالها...
فَما جلجامش إلا أسطورة خالدة وما أليسارإلا مَلكة حية خالدة بتاريخها
فكيف له أن لا يقدس ملكة قَد أنارت بفطنتها الشرق ...
فَمن يَتأمل وطَنا حَمل مَعاني أسطورية وتاريخية جَليلة شاهدة على أفكارنا
العَربية وسِحرا شرقيا فاتنا مُمتد مِن كليوباترا إلى شَهرزاد لِشجرة الدر
وصولا إلى أرز لبنان الشاهد عَلى جمال عَربي مُزدان بالخضرة...
فَكيف لجلجامش الأله المُحب أن لا يأتي إلى مَعبدها القائم في مدينة تَفترش
البحر وتَغفو على الرمال وهِي تُعانق بياض الثلج في صنين والباروك وتَنبسط
سُهولها المَيثاء مَع إشراقة الشمس لِتعكس بألوانها الذهبية جَمال صور حَيث
كانت أليسار....
فَمن طرابلس وهِي القلب الذي يَضم إليه محراباً هو مِحراب طينال الذي
يَضطرم فيه الأيمان ،فَتأنس النفوس المتعبة إاليه ، وشاطىء يُمسك بقلعة أشبه
بجبل مُرتفع يعانق السحاب ، وهوالآتي مِن مدينة ساحرة سحرها يفوق سِحر هاروت
وماروت ومَدينة آشور ونَبوخذ نصر وحتشبسوت وحُب حمل لمهيبا أجمل
الأحلام...
مَدينة يَتلوى فيها النخيل مَع هبات النسيم وعُطور بخور مريم وهذه الرؤى
كلها مرَّت عَلى خيالي وهو يُكلمني عَن جمال لبنان وبحرف البحرالأزرق وهُو
رمز العنفوان الفنيقي ....
رؤى كالغيمات المنتثرة في لحظات شعرت بها بقسوة ظلم القدر حين تركني بعيدة
عن مليكي السومري كُل البعد الذي جعلني أحول حَديثي معه إلى كَلمات
بَريئة تدغدغ حبات الرمال اللاهبة التي كنت أشعر كأني أدوس عَليها بحرقة
وغصة ...
قَبس من جمال إلهي !..وهديرصوته أشبه بصوت معصرة الزيتون في الكورة
بَلدة الخير ، فساد صمتي وهو يَصف سيدة لبنان في حَريصا التي أشبه
بناسكة مُتعبدة تحتضن البحر والجبل حتى لتظن أنك على حافة ينبوع يجعلك
ترتشف مِنه قطرات مِن حُب ممزوجة بدمعة مريمية ...
فالمعاني التي كان ُيسبغها بعضا ًمِن مُحسناته !. جَعلتني أسرِّح الطرف
بحدائق بابل المُعلقة والبرج المائل ومَدينة نينوى التي ولد مِنها ذاك
البربري المُتكلم ،فضحكته الثملى ما كانت لِتهدأ إلا حين رسمت له جمال
بساتين الكَرمة في زغرتا التى تتكىء عَلى طرابلس كأنها ملكة تمسك بنهر
الحَياة المُنساب كنهر أبو علي....
فإصراره ليراني في بيروت كإصرار المياه الثائرة المُهتاجة في أعالي جبال الأربعين
الشمالية ، وما كان ليهدأ إلا حين قُلت له وما نحن في الحَياة الدُّنيا إلا كَواكب سابحة
في فلك واحد ...
لكن لا أدري لما اختلجت في خَيالي صورة شهريار ذاك الطفل العنيد الذي روى سيفه
حكايات وحكايات تَحمل دهشة كدهشتي بذاك البربري الغير قادر على فهم حدود مملكتي
وصوته المتلعثم الغاضب كان يحمل الرجاء في اللقاء..
حتى اختلج في نفسي تساؤل !.. أيَظن أني كحواء حين هبطت من الجنة !..
لتبحث عن آدم...فما نحن إلا قلماً يَكاد يئن من خيال يلم بمعالم بلد ين لوطن
واحد ..
فعبير زهر الليمون وزغردة البلابل وذاك الليل المُمتد من حزنه لرؤيتي في
بيروت ما كان لينتشر حين أخبرته برفضي لتلبية دعوته ،فسكن سكونا
أفزعني ظننت للحظات أني سمعت صوت شخرة كشخرة الموت وصمت!..
ثم عاد ليقول ستكونين من الخاسرين تساءلت وكيف اكون كذلك وهو
من لم ير جمال طرابلس..
لكنه حَمل قلم لينثر لي حُروفا بقصة تَحمل في طياتها زيارته للبنان
وقبلة كان يتمناها كقبلة بيروت للبحر المتوسط ...
وأنا تمنيت أن أرى فيه بعضاً مِن معالم بلد قَد امتلأت بالمشاعر الراقية
الدفينة في حضاراتها ورجل يحمل في جعبته قصصا مختلفة مُحملة بعطر
العراق وأمجاده..
قلت :"أمي حواء وأنا من أحفاد أليسار ولن آتي لزيارتك في بيروت
فهدىء من روعك واترك للأيام أن ترسم لقاء مملوءا بشموخ قلمين
فنكون عِراقا ولبنان وقلماً واحداً في سبيل هدف أوحد....
لكن لا أدري كيف سنكون والشموخ زادنا فلا أنا اليسار ولاأنت جلجامش
قال:" بل عمي حمورابي سآتي لأنقش على جدران متحف جبران بعضاً مِن
كلماتي إليك...
قلت:"أنا بوليس لها من زرقة البحر هدوءما يجعلك تعود لزيارتها دائما والورود
تتكىء على معابر الزمان هلا بك...
مع تحياتي لِمن زار لبنان