كلفة الهرب إلى كندا
خالص جلبي
معظم الناس يظنون أن كندا جنة الله، وهي نصف الحقيقة؛ فهي نصف جهنم بشكل صقيع في براد؟؟ في درجة حرارة أربعين تحت الصفر في جهنم مقلوبة؟؟
نعم نحن نظن أن الحرق خلفه نار، ولكن قد يكون خلفه ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم فأهلكتهم؟
وكلمة (الصرّ) عرفتها تماما، فقد أرسلتني محامية يهودية إلى مانيتوبا، قالت: هناك تبرأ من مهنتك ثلاثا؟ إياك أن تقول أنت طبيب! فعليها تنزل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؟
وهناك ومن الفندق كانت الشمس ساطعة قلت الحمد لله لاكتشف أن درجة حرارة 37 تحت الصفر، تحول الإنسان إلى قطعة آيس كريم في ثلاث دقائق.. فقمت أقلد مشية الدب القطبي الأبيض!! قبل أن أصبح مومياء أوتسي في جبال الألب؟
ولم يكن أمامي إلا الفرار بين (المولات)، وقلت أي ساحر زين للناس السكن في جهنم هذه؟
ولكن ماذا نفعل أمام ظلمات البعث؟
ومر أمامي شريط من الرعب..
عرفت حينها أي مصير رست فيه عائلتي، فبعد العز والراحة والبحبوحة، أصبح علي أن أضخ لهم كل راتبي، وراتبي يتكسر أربع مرات بقوة ساحر شرير إلى ربع قيمته؛ فيعيشوا حياة بروليتارية، تضطر فيه زوجتي أن تحسب قيمة كيلو الطماطم؟
أما دعوة الناس إلى عزيمة فهي تحتاج ضغط الميزانية واستنفار الدخل، أما الأكل في المطاعم فهي ليست متعة بل مصيبة، ففي المطعم الياباني دارت عيني كالذي يغشى علي من الموت؟..
كان علي دفعة فاتورة بقيمة 600 ريال ما تعادل راتب عامل عندنا؟؟
هذه كانت تكاليف الهريبة إلى كندا من ديار البعث إلى يوم البعث؛ إلى أقصى الأرض حيث البعد والغربة والوحشة وصبّارة القرّ، أرض الكدح والتعب والركض الى حد اللهاث والسقوط على الأرض..
لقد كانت كلفة مرعبة يكلف فيها كل جواز سفر كندي مائتي ألف دولار؟ ولذا فكندا مفتوحة لمن صب المال صبا وقدر على ذلك؟؟
فهي لمن عاش في الخليج؛ فأرسل عائلته، وحول مع كل نهاية شهر كل راتبه، وعاش هو على الحصير؟
أو كان من الرفاق المقربين ممن نهب البلد فأرسل صبيانه للجامعات، وحصل الجواز الكندي، لعله أن ينفعه إذا زلزلت الأرض زلزالها؟
أو هي لمن بيض أمواله من عصابات الشرق الأقصى؟
أو من عصابات صدام من هرب بالدينار الأصفر والدولار الأخضر؟
أو من شباب طموح، يتحول إلى براغي ضئيلة، في ماكينة رأسمالية عملاقة تهدر هديرا يصم الآذان؛ فلا يسمع أحد من حوله، حتى يفاجئ بالموت؟
وما أريد توضيحه أن الغرب نصفه جهنم، والغرب الإجرامي أصبح زيوس رئيس آلهة الأولمب، بيده الخير، يرفع من يشاء، ويشنق من ديكتاتوري المنطقة من يشاء، ويعز من يشاء، ويحافظ على عروش الصبيان، ويرضى عن القذافي بعد غضب وقذف بالنيران، ويحافظ على طواغيت الترانزستور إذا أدوا الأمانة وخدموا بحرص وإخلاص..
أما الشعوب فلعبة كما صرح عنها العميل الأمريكي (مايلز كوبلنز) منذ زمن بعيد في كتابه المشهور لعبة الأمم..
في كندا اعتمد ثلاث أو أربع قوانين؛ كلها تمت بصلة لثلاث حروف (د ف ع )أولها ادفع.... وآخرها ادفع ... وخاصة بكروت الائتمان الغدارة، التي تطوقك لحد الشنق، لأنك تدفع ولا تشعر أن جيبك (ينبخش) ودمك ينزف، إلا حين وصول الفواتير..
أما الفواتير فهي قصة لوحدها فادفع، ولك الويل إن لم تدفع؟ لتكتشف أنك لا تملك البيت الذي تسكن، كما بانت عورة أمريكا تماما، مع كارثة الرهن العقاري في خريف 2008م. لنعرف أن البيت لا يملكه أحد.. لا صاحبه؟؟ ولا البنك؟؟ ولا المستثمر؟؟
أو بكلمة مضحكة أكثر يملكه الثلاث بدون أن يملكه أحد؟؟؟
هل هناك ساحر أو ضارب بالرمل أو قاريء كف يمكن أن يشرح لي هذا اللغز الذي يزيد عن عقدة الأسكندر..
والحاصل كندا جيدة، ولمدة ستة أشهر، مالم يصاب بالاكتئاب فينتحر، فيصبح دماغه في (بنك أدمغة المنتحرين) للتجارب في كيبيك..