عن العطسة والعطاسين

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من قرابة ستين عاما ـ وأنا طالب في المرحلة الثانوية ـ قرأت لإحسان عبد القدوس في مجلة اسمها " الاثنين "  ـ عنوانا نصه " تحقيق صحفي مع حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين " ، وصورة المرشد تتوسط الصفحة وهو يخطب . ومما قاله إحسان عبد القدوس في تحقيقه هذا " إن حسن البنا هو الرجل الذي إذا عطس عطسة  بالقاهرة شمته رجال في أسوان " . و التشميت أن يقول القائل للعاطس يرحمكم الله ، فيرد عليه : يهديكم الله و يصلح بالكم ، أو عبارة قريبة من ذلك . ودلالة ما ذكرته أن الإخوان كان لهم انتشار واسع في أنحاء القطر المصري .

**********

تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ مقالا في موقع " المصريون " للأستاذ ثروت الخرباوي " بتاريخ 27/8/2008 .  عنوانه : " عطسة الإخوان   .

يقول في مطلعه :

" كتب أحدهم ذات يوم عن عطسة الرئيس وأثرها على كافة المحافل المحلية والدولية ... إلا أنني والحق يقال وجدت أن عطسة المرشد العام للإخوان المسلمين أكثر فاعلية وأقوى تأثيرا ، فحينما عطس المرشد العام هرعت وكالات الأنباء إلى مكان العطسة حيث استطاعت إحدى الصحف المستقلة تصوير الحدث على الطبيعة ... وعلى الفور أذاعت قناة الجزيرة على شريطها الإخباري المتحرك خبر العطسة كنبأ عاجل .. وفي اليوم ذاته صرح مصدر مسئول بوزارة الداخلية المصرية بأن العطسة المذكورة أثارت قلقا واسعا في الشارع المصري خاصة وأن صوت المرشد أثناء العطسة كان مرتفعا نوعا ما ، كما صرح المصدر ذاته بأن الوزارة تدرس الطرق الكفيلة بالحفاظ على الأمن في الشارع المصري . "

وواضح ما في هذا النص من تهكم وسخرية من مرشد الإخوان .

ولست أدري كيف يستقيم هذا الظاهر الواضح مع ما كتبه الأستاذ الخرباوي في مقال بعنوان  "علي وعلي أعدائي " قرأ بعض أصدقائي من الإخوان المسلمين مقالتي التي نشرتها جريدة ( المصريون ) الأسبوع الماضي تحت عنوان ( عطسة الإخوان ) على أنها مقالة كتبتها لأسخر من الإخوان وأسخر من حركتهم حتى أن أحد أعضاء البرلمان من أعضاء الإخوان كتب تعليقا يدلل به على أن المقالة " ضد الإخوان

!! مع أن المقالة كانت واضحة وضوح الشمس في نهار أغسطس وهي عبارة عن مقالة ساخرة كتبتها بطريقتي وأسلوبي لأسخر من الحكومة التي حبست خيرت الشاطر ومن معه تحت طائلة عرض جامعة الأزهر الرياضي

ولا أخفيك عزيزي القارئ سرا أنني تعودت على تلك القراءات الخاطئة من أصدقائي الإخوان ومن غيرهم ، فقد سبق وأن قرأ الإخوان مقالاتي على أنها مقالات سب أو شتم أو تجريح مع أن المقالات كلها كانت تدور في دائرة النقد العلني الذي يحضنا عليه الإسلام. "

**********

ولقد قرأت المقال بعد ذلك عدة مرات ، فعجزت كل العجز عن فهم ما ذكره الأخ الخرباوي أخيرا من أنه لا يقصد بهذا التهكم الإخوان ومرشدهم , ولكن يقصد النظام القائم الذي ظلم الشاطر وإخوانه.

ومعذرة ، وأعوذ بالله من الغرور ، إذا ما قلت : إننا درَّسنا وندرس لطلابنا في الجامعة كل أنواع الأدب ، ومنها أدب السخرية بنثره وشعره ، ابتداء من العصر الجاهلي وامتدادا إلي أيامنا هذه . وأقرر ـ إنصافا للأخ الأستاذ الخرباوي ـ أن ما ذكره أولا يندرج تحت مفهوم التهكم والسخرية ولكن من الإخوان ومرشدهم بخاصة .

وكنت أتمني ألا يرجع الأستاذ عن منطوق ما ذكره أولا ومفهومه . واعذرني يا أستاذ ثروت ، فابن الرومي يفرض عليَّ نفسه وهو يهجو  شخصا يدعي" عيسى " وذلك في قوله :

يقتر عيسى علي نفسِهِ         وليس  بباق ولا خالدِ

فلو   يستطيع  لتقتيره         تنفس من مِنْخر واحدِ

فلما تصدي له عيسى ، وجاءه مهددا مرغيا مزبدا ، قال ابن الرومي : أنا لا أقصدك، ولكني أقصد "إبراهيم عيسى " رجل صحيفة الدستور .

**********

ومما يؤيد رؤيتي هذه المتواضعة أن الأخ ثروت يميل في أحكامه إلي " التعميم الحاد" ، وليس هناك أخطر علي العلم والمنطق من التعميم الذي لا يعتمد علي استقراء شامل ، وخصوصا إذا لم يكن قائما علي " رؤية ميدانية " كما نري في قوله

ولكنهم يفتقدون للنظرة العقلانية ولذلك فتحركاتهم تهدف إلى تحقيق مصالحهم بعيدا عن متطلبات هذا الوطن"............

وختم الخرباوي تصريحاته بالتأكيد على أن الإخوان يتحركون وفق مشاعرهم ومصالحهم ويفتقدون القدرة على التصور و لا يملكون رؤية سياسية منهجيه واضحة ، وان انفصاله عنهم جاء بعد تأكده من رفعهم شعارات تحقق لهم مصالحهم دون مصالح الجماهير التي اختارتهم ويمارسون سلوكيات الحزب الوطني وهو ما يرفضه أي وطني مخلص بالإضافة إلى زيادة نسبة المؤامرات والأحقاد و الصراعات داخل مكتب الإرشاد لتحقيق المصلحة حتى لو تعارضت مع مصلحة الإسلام .

وهم الذين أفسدوا نقابة المحاميث , وهم , وهم ...

هذا بعض ما صرح به السيد ثروت الخرباوي لموقع مصراوي بتاريخ 11 /11 /2007  . وكلها اتهامات عامة فضفاضة , بلا دليل .

وإني لأسأل : ما سر الحرص علي ذكر عبارة  " الإخواني السابق " أو " العلم الإخواني المنشق " ؟ ونحن نعلم أن السيد ثروت كان من قبل عضوا بارزا في الوفد ، ثم انضم إلي الإخوان . فهل نصفه بأنه العضو البارز السابق في الوفد ، ثم في الإخوان ، ثم المنشق عليهم " ؟. الله وحده يعلم مسيرة الأستاذ الخرباوي بعد ذلك .

والموضوع يحتاج إلي وقفات أكثر ، ومناقشات أوفى لا يتسع لها المجال  .

وفي النهاية أدعو لنا جميعا بالرحمة و المغفرة ، وأن يرينا الله الحق حقا ، ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ، ويرزقنا اجتنابه . إنه نعم المولى ونعم النصير .