الصيام موسما للنوم والكسل

الصيام موسما للنوم والكسل

خالص جلبي

[email protected]

مما أتذكر من أيام الصيام، عندنا في منطقة الجزيرة، وأنا طفل صغير أنها كانت أياما رائعات، وكان النوم مبكرا، والاستيقاظ للسحور بهيجا، والنهار عاديا، والصيام رائعا، والجوع للفقر مذكرا وهاديا للصدقات، والصلوات غامرة، وبالدعاء عامرة، وبالروح مشحونة مملوءة.

ثم يأتي الاستعداد بعدها للعيد البهيج، في مظاهرة اجتماعية صاخبة جميلة، وديعة من التعارف والزيارات..

أما ما أراه حاليا هذه الأيام فلم يعد للصوم معنى، مع الانبطاح في ظل النوم طول النهار، ثم الاستيقاظ مع الليل مثل الحشرات الليلية.

لتبدأ حفلة حشو الحشاي من الكنافات والرز والشحوم واللحوم من كل صنف زوجان..

ولم يبق الصيام جوعا، بل انتفاخا وحشوا بالطعام والمقبلات والحلويات والبهارات وكل أنواع الطعامات..

أصبح رمضان موسما للمرض بالانتفاخ والحشو، وموسما للنوم والكسل. وموسما للسهر المضر، فينقلب الليل إلى نهار، والنهار إلى ليل بما هو ضد الطبيعة وتركيب الدماغ، كمن يركبه شيطان..

وأصبح رمضان موسما لنهب العقل والجيب، من الإعلانات لسموم ومشروبات حمراء وخضراء، وصباغات ودهانات، ومسلسلات منها الجيد، وأكثرها السقيم الضار...

وحين حدثتني زوجتي عن المسلسل التركي، أن الشوارع فرغت من سكانها وصبحت الشوارع مأوى الأشباح والجان والقطط الشاردة، والكل غارق في ملاحقة آخر حلقة مسلسل نور التركي؟!!

 قلت خالص إما أنا في عقلك شيء؟ أو في عقول الناس شيء؟

وعندما زرت صديقي عامر كان هو وأخوه متسمران على إحدى الحلقات السقيمة، فلم يلتفت إلي مع عظم تقديره لي، قلت له جئت أزورك فسجل الحلقة؟ قال قربت تخلص؟ ولم يكن أمامي إلا أن أرى معهم بقية الحلقة وأنا ساكت ضامر حائر، وتعجبت من عقول الناس..

والطبيب عامر استشاري اضرب اطرح؟؟

صحيح أن هناك من يصوم ويصلي ويزكي في رمضان، ولكن النسق العام كله يعيش حالة شخير وزمير، وحالة من الارتخاء والكسل، ونحن نسمع عن معركة بدر أنها كانت في رمضان إذا لم تخني الذاكرة، وليست هي المعركة الوحيدة التي خاضها المسلمون في موسم الصوم..

جيلي الذي أعرفه كان يفرح برمضان ويعاني من جوع الصوم، والجيل الحالي لا يعرف جوعا بل شبعا ونوما وكسلا، وهو أمر خطير من الابتلاء بداء الخير..

ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا ترجعون كما جاء في سورة الأنبياء..

أقول هذا  وأعرف أن نظم الحياة انقلب، وفتنة التخمة  اشتدت وبطرت وامتدت، واستطالت بأنياب وأذرع التنين، ليس لها من سبيل وقاهر ومحيل..

وكلامي هذا لن يغير نظم الحياة، وسيأتي العديد من المتكلمين فيقولون إنه يقول زورا من القول وباطلا..

ولذا كان من الأفضل لنا من يكتب في زمن الفتن أن نقول قولا لا يوقظ نائما ولا يزعج مستيقظا؟؟