ماذا بقي من أمريكا ؟!

منى محمد العمد

[email protected]

عندما كان يهاجر كثير من المسلمين من بلدانهم  لظروف سياسية ، وفراراً بدينهم إلى أمريكا تارة وإلى أوروبا أخرى ، كان الكثير منا يميل رأسه تعجباً مما يرى ويسمع . أمريكا تحمي المسلمين من بني جلدتهم ، وتنصف المظلوم من ظلم ذوي القربى الذي هو أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند ، فيعرف معنى العدالة ، ويمارس حريته بأشكالها ؟!  بل كم حلا لنا أن نقارن بين وقوف دولة الخلافة الإسلامية "سابقاً " حكومة وجيشاً في مواجهة امرأة مسلمة واحدة لا لشيء إلا لأنها آثرت أن تتمسك بحجابها تحت قبة البرلمان الذي يفترض فيه أن يكون منير الحرية ، أن نقارن بين هذا الموقف الذي عابه على تركيا القاصي والداني حتى السفير الصهيوني في أنقرة ، وبين موقف القضاء الأمريكي من ثماني موظفات مسلمات كن يعملن في إحدى الشركات الأمريكية وتم فصلهن من عملهن بسبب ارتدائهن للحجاب الإسلامي ، فقد حكمت المحكمة بإعادتهن إلى العمل وبدفع غرامة مالية عما ألحقه بهن قرار الفصل من أضرار أدبية وبدفع رواتبهن عن الفترة بين قرار الفصل والنطق بالحكم وكانت عدة أشهر وتوجيه اعتذار خطي لكل واحدة من الموظفات الثماني ، نتأمل الموقفين ونتعجب .

من حق أمريكا إذن أن تتزعم جماعات حقوق الإنسان في العالم ،ومن حقها أن تصف نفسها بأنها راعية السلام وصانعة العالم الجديد و ... و....ألقاب كثيرة ، لم يبق إلا أن تقول أمريكا أنا ربكم الأعلى ، بل لقد فعلت ، ألم تنسب لنفسها العدالة المطلقة ؟ ثم أتت أحداث سبتمبر ، فأماطت أمريكا عن وجهها البشع اللثام الذي أخفت وراءه كل الوحشية والهمجية سنين عدداً ، ضربت عرض الحائط بكل القيم التي تاهت بها حتى علينا نحن المسلمين أصحاب الدين القيم ، بل داست على الإنسان وحقوق الإنسان وكرامة الإنسان ، فقتلت الأبرياء بالآلاف وشردت ... وجوعت ....أمعنت في الاعتداء على الأطفال والنساء والشيوخ ، ثم أخذت الأسرى ، وشاهدنا وشاهد العالم كله عدل أمريكا وإنسانية أمريكا ورفق أمريكا .

شاهدنا كيف وضعت الأسرى في أقفاص ، ذكرتنا يتجارة العبيد في القرن الثامن عشر، وأجبرتهم على البقاء في وضع واحد ، ومن يأت منهم بأي حركة يضرب رأسه بنعال الجنود الأمريكان . وعندما وجهت بعض جماعات حقوق الإنسان النقد إلى أمريكا وطالبتهم بمعاملة الأسرى حسب اتفاقية جنيف ، قالت أمريكا: إن هؤلاء ليسوا أسرى حرب بل هم مقاتلون غير شرعيين ، سبحان الله ، تأتي أمريكا إليهم وتغزوهم في عقر دارهم وتفسد الحرث والنسل وتعيث فساداً في أرضهم ثم إذا دافع أهل البلد عن بلدهم نعتتهم بأنهم مقاتلون غير شرعيين ، من هم المقاتلون الشرعيون إذاً ؟! يبدو أنهم الجنود الأمريكان أنفسهم ، بل ربما لم يكن هؤلاء مقاتلين ربما أسمتهم أمريكا حمائم السلام !!

هذه أمريكا التي تأبى أن تعامل الأسرى على أنهم أسرى حرب ، لأنه لم يتم تصنيفهم كذلك ، تصوروا ...تشكل لجان وتعقد اجتماعات لتصنيف هؤلاء الناس ، عفواً ربما لا يكون هؤلاء " ناساً "  في نظر أمريكا بل من المسلم به أن تكون الحيوانات أوفر حظاً  من هؤلاء الذين وقعوا في أسر صانعة السلام وراعية حقوق الإنسان ؟؟ فالمجرم الذي يدخل إلى محل "السوبر ماركت " في أمريكا ويقتل الناس هناك بدم بارد من غير ذنب إلا أن حظهم العاثر جعلهم في المكان والزمان نفسه معه ، ثم يشتكي ذلك المجرم من أن الشرطي الذي قبض عليه جذبه بشدة ليضع القيد في يديه أو لأنه شتمه ، وتسمع المحكمة له لأن من حق المجرم الذي سفك دماء عدد غير قليل من الأبرياء أن يقبض عليه بكرامته وأن يحاكم  بكرامته  وليس من حق أحد أن يوجه له حتى كلمة " تؤذي مشاعره "  فالشرطي ليس قاضياً وله وظيفة محددة وهي تسليم المجرم للعدالة . فما بال الأحوال في قضية جوانتانامو الأمريكية قد تغيرت ، فاجتمعت السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية جميعاً في يد الحرس ؟

هذه هي  أمريكا التي لها في كل مناسبة وجه ولها في كل حدث دور ولها أخلاق تدور مع مصالحها حيت دارت .أين كل ذلك من أخلاق الإسلام وقيمه الثابتة التي لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان ولا الظروف ؟ أخلاقنا هي أخلاقنا سواء كان النصر حليفنا أم الهزيمة . أين هذا كله من موقف القائد العربي صلاح الدين الأيوبي وقد انتصر على أعدائه الصليبيين الذين عبروا إليه البحار  والقفار ...  بقضهم  وقضيضهم إذ جاءته المرأة الصليبية باكية شاكية فأمر جنده بالبحث عن طفلتها الرضيعة وردها إليها ؟

هل كان أولئك الصليبيون مقاتلين شرعيين  ؟! حتى عاملهم صلاح الدين القائد المنتصر هذه المعاملة السمحة ، ولو أن صلاح الدين أمعن فيهم قتلاً وأسراً وتشريداً ما لامه أحد ، ولو فعل فإنما يكيل لهم من بضاعتهم ، لكنه تسامى وتسامى بأخلاقه الإسلامية الرفيعة  والتزم بالشريعة الإسلامية الغراء التي لا تتبدل بتبدل الظروف والأحوال . هذه هي أمريكا عارية مكشوفة على حقيقتها ،

فماذا بقي من أمريكا ؟!

قال الله تعالى : "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين " .