الأنا المفقود

عزيز العرباوي

[email protected]

كاتب وشاعر من المغرب

لا أحب دائما أن أكون تلك الضحية كلما حلت كارثة علينا ، سواء كانت كارثة إلهية أو كانت من صنع الإنسان . ولا أحب أن أكون ذلك الرجل الضعيف في الشعب المسكين الذي يقبل بالأمر الواقع ويعيش في حاله ويطلب القليل ليسد رمقه وفقره . ولا أحب أن أكون ذلك الطاغية الذي يستحوذ على كل شيء ليشبع هو ويجوع الآخرون . فهذا من شيم الطغاة وأولاد الحرام .

في زمننا هذا هناك الكثير من هؤلاء الناس بشتى الأنواع والأصناف . وفي عصرنا  هذا يوجد الجائعون والمنافقون والطغاة وأولاد الحرام والعلماء والأغنياء والحكماء ... فمن يستطيع أن يحدد كل واحد منهم كل على حدة ؟

من المفارقات العجيبة في زمننا هذا أن تجد الجائع صديقا للغني ، أو الجاهل رفيقا للعالم . لكن أن تجد العالم صديقا للطاغية يرسم له خريطة الطغيان ويكتشف له فيروس التجويع والقتل . وقد تجد الحكيم رفيقا للمنافق يوضع له سبل السياسات المداهنة وطرق المراوغة والتحايل على الآخرين .. هذا زمن المفارقات حقا ، ألم أقل لكم ؟ .

محمد ضحية الكوارث الإلاهية والإنسانية في آن . وأحمد رجل ضعيف من الشعب المسحوق في الكاريانات يقبل بالأمر الواقع ويعيش في حاله ، يتعاطى المخدرات لينسى ، ويشرب الكحول لينتشي ، ولا يطلب لا القليل ولا الكثير . إنه الرجل المرغوب فيه في عصرنا هذا . وعباس رجل طاغية يستحوذ على كل شيء ، يملك المدينة كلها بما فيها الكاريانات . ويستغل الرجال في توسيع نفوذه وممتلكاته ، والنساء في إشباع رغباته الحيوانية ، يشبع ويجوع الآخرون ، ينام على الأرائك ، وينام الآخرون على الحصر والأرض ويفترشون الرمال والتراب ، هو لا يعرف أن أصله من تراب كما الآخرين ، لذلك يحتقر هؤلاء ، ويسخر من تربيتهم وأصلهم الطيني .

محمد الضحية ، دائما تجده يتباكى ويتدور جوعا وألما لما لحقه ، فالزلازل لا ترحمه ، والبراكين تحرق كل ما يملك ، ولا يستطيع في هذه الحالات إلا أن يشكر الله على ما فعل وما أعطى وما أخذ . وتجده يتحسر على خسارة الوطن لتنظيم كأس العالم . وانهزام المنتخب في المباريات النهائية ، ويستغرب للقوانين الجائرة التي تسن وتنفذ . ويستنكر مدونة الشغل والمرأة والفساد الإداري والإنساني . محمد الضحية ، متشائم من الحاضر والمستقبل ومن الحياة أيضا ...

وأنا لا أحب أن أكون أي واحد من هؤلاء ، وأحلم أن أكون أفضل من محمد وأحمد وعباس . هذا الأنا قد لا يتحقق الآن ، لكني أحلم به ، وأعمل جاهدا لأن أكونه ، فهو صعب أن يكون الآن . وفب هذه الظروف الخانقة ، ولكن المستقبل يحمل للأنا غدا أفضل وساحة أوسع للظهور والخروج إلى العالم .

وفي انتظار الأنا ، فكل شيء ممكن ، وكل سبيل مفتوح أمام أي أحد ليكون الأنا ، لكن بشرط أن ينسلخ عن الهو ...!!