ذكرياتي فراتية

د. نغم الحافظ

كنتُ أجلس مساءً في طفولتي – كعادتي - على بلكونة منزلي التي تطلّ مباشرة على نهر الفرات , واراقب النهر وهو ينساب رقراقاً ولاسيما في مثل هذه الايام الربيعية. وكانت أضواء الشوارع والبيوت ترسم عليه لوحاتٍ مائيةً مازالت ترتسم في مخيلتي اشكالاً ومجسماتٍ لمناظر في خيالي الشارد , وفي يوم الخميس بالذات تأتي قوافل من النسوة الديريات بعباءاتهن السود , وينزلن على ضفافه , ليبدأن بإشعال شموع ووضعها على قطعة خشبية ويدفعنها بأياديهن في النهر...

لا أعرف ماذا كن يتمتمن من كلام ..! لا افهم منه شيئاً لأنهن بعيداتٍ عني ,ولكنني كنت أقصّ بنظري تلك القطع الخشبية واتسائل: إلى أين سوف تصل هذه القطع  وشموعها ..؟ هل سوف تبقى مشتعلةً أم سوف تنطفئ بعد قليل .؟ وأين سوف يحط بها المقام ..؟هل سترسو على شواطئ العراق ..؟ حيث مجرى نهر الفرات يكمل مسيره الى العراق .

أسئلة كثيرة كانت تدور برأسي ولا اجد لها جواباً , ولكنني كنت قد استفسرت من والدتي- رحمها الله - أنّ هذه الشموع هي نذور( للخضر) فهناك من يقول إنه نبي , وهناك من يقول إنه العبد الصالح الذي رافق سيدنا موسى عليه السلام  وهناك من يظن أنهه إن فعل ذلك ويتقرب إلى الله بنذر كي يتحقق مراده.. هكذا ببساطة تقترب من الشرك , دون قصدٍ , إنما عفوية وبساطة اختلطت فيها الميثيلوجية ببعض جهل حسبه بعض الناس أمراً محبباً..

لا أعرف لماذا تغلبني الدموع ,وأنا ارى مدينتي  وقد اصبحت دماراً وموتاً وخراباً واهلها مشردون في كل بقاع الأرض والهدم والركام اصبح احد معالمها الباررة..؟

هل ما زال نهر الفرات يجري أم أنه توقف من حزنه على أهله وعلى من عاش على ضفافه..؟!

يالله كم اشتاق لرائحتهِ وهي تهبّ في أوقات العصر مع شجر الغرب المتدلي على ضفافه..

لعلي الآن  أودّ أن اكون من صاحبات  النذور كما فعلت جداتنامن قبل ..

ويكون نذري  حين يسقط بشار أن أوقد شموعاً على قطع الخشب وادفعها بيدي في عرض النهر..

وارمي ورداً وانثره على مياهه لكل أرواح شهداء مدينتي المغدروة ولكل شهداء وطني الجريح سورية ...

اللهم تقبل دعائي  ونذري عند سقوط هذا النظام الفاجر المجرم